👁️‍🗨️ “الرؤية تختلف باختلاف موقعك”



🌱كيف تُشكّل زاويتك الإدراكية فهمك للعالم ؟

في الحياة، لا يرى الجميع الأمور بنفس الطريقة، حتى لو كانوا ينظرون إلى نفس الشيء. وقد تبدو هذه الجملة بسيطة، لكنها تعبّر عن حقيقة نفسية عميقة تتمثل في اختلاف الرؤيا
تخيّل أمًّا وطفلها في حديقة عامة:
الأم ترى في المطر المفاجئ قلقًا على ملابس ابنها ونزلة برد محتملة،
بينما الطفل يراه لحظة سعادة وركض تحت قطرات الماء.
وتأمّل هذا الموقف بين الزوجين:
الرجل يرى في تأخر زوجته في التجهيز “إضاعة للوقت”،
بينما هي تراه “عناية بالتفاصيل” وإظهارًا للاحترام أمام الناس.
الموقف واحد، لكن زاويتين نفسيّتين مختلفتين صنعتا تجربتين متباينتين.
وفي بيئة العمل:
مدير ينظر إلى الموظف المتأخر باعتباره “مهملًا”،
بينما زميله القريب من ظروفه يعرف أنه “أب يسهر مع طفله المريض”.
وفي البيت مع المراهق:
الأب يرى في إغلاق ابنه باب غرفته طول الوقت “انعزالًا وتمردًا”،
بينما المراهق يراه “مساحة شخصية” يبحث فيها عن هويته واستقلاله.
المشهد واحد… لكن زاوية النظر جعلته قصصًا متعددة.
وهذا بالضبط ما يحدث بيننا وبين الناس كل يوم.

🔁 الرقم 3 أم الحرف “ع”؟
تخيّل شخصين ينظران إلى شكلٍ مرسوم على الأرض يشبه الرقم (3).
• من يقف على الجهة اليمنى يراه رقمًا.
• من يقف على الجهة اليسرى يراه حرفًا.
كلاهما محق، لأن تفسير كل منهما يعتمد على “الموقع” الذي ينظر منه.

🖼️ الصورة المخادعة: شابة أم عجوز؟
تأمّل هذه الصورة الشهيرة:
بعض الناس يرون فيها امرأة شابة تنظر إلى الجانب الآخر.
بينما آخرون لا يرون إلا امرأة عجوز بملامح بارزة.
الصورة لم تتغير، لكن زاوية الإدراك هي التي صنعت اختلاف التفسير.
وهذا يوضح أن إدراكنا للواقع يشبه النظر إلى هذه الصورة: نرى “جزءًا” ونغفل جزءًا آخر، فيظن كل طرف أن ما رآه هو الحقيقة الكاملة، بينما الصورة تحمل أكثر من وجه.

فهم اسباب اختلاف الرؤية :

🧠 أوّلًا: البعد النفسي والسيكولوجي


علم النفس يفسّر هذه الاختلافات بأن الإدراك البشري انتقائي، بمعنى أننا لا نرى الواقع كما هو، بل كما تسمح به عدساتنا الداخلية المكوّنة من تجاربنا السابقة، مشاعرنا الحالية، واحتياجاتنا العاطفية.
• الأم تركّز على الخوف من المرض لأنها مسؤولة عن الحماية.
• الطفل يركّز على المرح لأنه يعيش لحظته الآنية.
• الرجل ينظر إلى الوقت من زاوية الإنجاز.
• المرأة تنظر إلى التفاصيل من زاوية الصورة الكاملة.
• المراهق يبحث عن الاستقلالية، بينما الأب مشغول بـ الضبط والمسؤولية.
وكل ماسبق يشرح الآتي:

🌐الإدراك الانتقائي:
موقعك الاجتماعي (طبقتك، تعليمك، ثقافتك، دينك) يؤثر على قراءتك للمواقف.
• ابتسامة غريب قد تعني تهذيبًا عند شخص، واستهزاءً عند آخر جرّب التنمّر.
• فقير في الشارع قد يُرى ضحية ظلم مجتمعي، أو شخصًا كسولًا لا يسعى.
كلا الرؤيتين تعكس زاوية نظر وليست الحقيقة المطلقة.نحن نركّز على جزء من الواقع ونهمل أجزاء أخرى، تبعًا لحاجاتنا ودوافعنا.
🧠التحيّز الإدراكي: الإدراك ليس محايدًا
علم النفس الإدراكي يقول إن الإدراك البشري ليس مجرد استقبال صور، بل هو تفسير. دماغك لا يكتفي بأن يرى، بل يضيف المعنى من داخلك:
• خلفيتك الثقافية
• تجاربك السابقة
• مشاعرك الحالية
• قيمك ومعتقداتك

🌐الاختلاف بين الأفراد: تجارب الرجل والمرأة، الكبير والصغير، المدير والموظف… تصنع “زوايا إدراكية” مختلفة.
🧠سيكولوجية المراهق: المراهق يحتاج للاستقلال، فيفسّر الضوابط الأبوية كقيد، بينما الأهل يفسّرونها كحماية.
كل شخص يبني قصته الخاصة حول الموقف الواحد، لذلك يختلف التفسير وتتنوع ردود الأفعال.
إذن، الاختلاف طبيعي وجذري في طبيعة النفس البشرية. فالعقل لا يرى الحقائق مباشرة، بل “يُفسّرها” وفقًا لتاريخه الداخلي وظروفه.

🧭 زاويتك تحدّد ردّ فعلك
ما تراه هو ما تستجيب له.
• من ينظر من موقع الألم يفسّر كل موقف من خلاله.
• ومن ينظر من موقع التجاوز يرى الفرص لا العقبات.

📌 تطبيق عملي:
• بدل أن تسأل: “من المحق؟”
اسأل: “من أين ينظر؟”
• بدل أن تُسارع إلى الحكم، تذكّر أن رؤيتك ليست الوحيدة الممكنة.

🌸 ثانيًا: البعد الديني والإيماني في اختلاف الرؤية


الإسلام سبق العلوم الحديثة في التنبيه إلى أن الرؤية البشرية محدودة، وأن الحقيقة لا يحيط بها عقل واحد:
• اختلاف الصحابة رضي الله عنهم: كما في قصة صلاة العصر في بني قريظة،
📜اختلف الصحابة يومًا في فهم وصية النبي ﷺ:
قال لهم في سفر: “لا يُصلِّيَنَّ أحد العصر إلا في بني قريظة”.
بعضهم صلّى في الطريق خشية خروج الوقت،
وبعضهم أخّر الصلاة حتى بلغ بني قريظة التزامًا بظاهر النص.
فلما عادوا إلى النبي ﷺ، لم يَعْنِف أحدًا منهم، بل أقرّ اجتهاد كل فريق.
الدرس: قد تكون الحقيقة متسعة لأكثر من زاوية نظر.

حيث أقرّ النبي ﷺ اجتهاد الطرفين، فأعطانا درسًا في مشروعية تنوّع الزوايا.
• القرآن الكريم:
{وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22]
الاختلاف آية من آيات الله، يشمل اللسان والمزاج وطريقة التفكير.

حتى في قصص الأنبياء نجد هذا المعنى:
• إخوة يوسف رأوا في أخيهم “منافسًا يهدد مكانتهم”،
• بينما يعقوب عليه السلام رأى فيه “ابنًا موعودًا بالنبوة “.
المشهد واحد: يوسف، لكن الرؤية اختلفت باختلاف موقع كل طرف.
وهذا يعلّمنا أن نكون أكثر رحمة، فلا نتعجل الحكم على نوايا الآخرين، فربما كان لهم منظور مختلف لا نراه.

🧭اخلاقك وقيمك تحدد ردة فعلك


الحلم والتسامح: النبي ﷺ قال: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” (متفق عليه).
أي أن القوة ليست في فرض رؤيتي، بل في استيعاب اختلاف الآخر والتحكم في انفعالي أمامه.
العدل في الحكم والمبادرة بحسن الظن: فالإسلام نهى عن إساءة الظن، ودعانا إلى التثبّت:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12].
هذا توجيه مباشر بألا نحكم من زاويتنا الضيقة، بل نتريّث ونبحث عن السياق.
📌 تطبيق عملي:
• بادر بحسن الظن .


✨فهم اختلاف الزوايا أمر طبيعي سببه عوامل نفسية وإدراكية.
و هذا الاختلاف رحمة وابتلاء، والواجب أن نتعامل معه بالحلم والتسامح والعدل وحسن الظن .
فالوعي النفسي يعلّمنا أن نفهم “لماذا يختلف الناس في الرؤية”، والإيمان يعلّمنا “كيف نحتوي هذا الاختلاف برحمة وحلم.”
التسامح ليس تنازلاً عن قناعاتك، بل هو وعيٌ أن الحقيقة أوسع من زاويتك وحدك.

👶 كيف نُعلّم أبناءنا قيمة “حسن الظن وسعة الصدر”؟


تربية الطفل على استيعاب اختلاف الزوايا ليست مجرد كلمات، بل ممارسة يومية يكتسبها من بيئته:
القدوة أولًا: عندما يسمع الطفل والديه يُلتمسون الأعذار للآخرين (“ربما تأخر لأنه مشغول، ربما نسي”)، يتشرّب هذا السلوك.
القصص التربوية: يمكننا أن نقصّ عليه قصصًا من السيرة، مثل قصة الصحابة في صلاة بني قريظة، أو قصة يوسف وإخوته، ليتعلم أن الموقف الواحد يُرى بطرق متعددة.
اللعب التخيّلي: أن نضعه في مواقف مبسطة (“لو صديقك لم يردّ عليك بالسلام، ما الأسباب المحتملة؟”)، ونجعله يتدرّب على اقتراح تفسيرات إيجابية بدلًا من السلبية.
التشجيع العملي: عندما يحسن الظن بغيره أو يقدّم تفسيرًا رحيمًا، نثني عليه ونُظهر له قيمة هذا الخلق.
بهذه الخطوات، ينمو الطفل على أن الحقيقة قد تكون أوسع من زاويته وحده، وأن التسرّع في الحكم يُفقده المعنى الأعمق للأحداث وقد لايساعده على الاستفادة من حوار يهدف الى التوعية او لتغيير راي كان لايرى فيه خطأ لهذه تعتبر هذه قيمة مهمة تحتاج الى ممارسة يومية وقدوة مرئية

💡 خلاصة ملهمة:
“الشيء لا يتغيّر، لكن موضعك منه يُغيّر كل شيء.”
كل اختلاف في الرأي، كل سوء فهم أو صدام، ليس لأن الآخر خاطئ بالضرورة، بل لأنه يقف في موضع مختلف. اكتمال الصورة يحتاج إلى أن نرى بعين غيرنا أيضًا ابني ,زوجي ,امي ,صديقتي………
الرؤية ليست دائمًا مرآة للواقع، بل مرآة لما في داخلنا.
حين نُدرك أن الناس يختلفون في تفسيراتهم لاختلاف مواقعهم وزوايا نظرهم، نصبح أكثر حلمًا، أكثر صبرًا، وأكثر وعيًا بأن الحقيقة الكاملة لا يملكها طرف واحد.
فلنجعل قلوبنا أوسع، ونظرتنا أعمق، ونوايانا أصفى،
لنقترب أكثر من قول الله تعالى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103].


التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *