المراهقة: مرحلة التغيير والنمو
تعد المراهقة واحدة من أكثر المراحل العمرية تعقيدًا في حياة الإنسان، حيث يمر خلالها الفرد بتغيرات جسدية، نفسية، وعاطفية كبيرة، تبدأ هذه المرحلة عادة من سن 12 أو 15 عامًا، ومؤخرا تصنف من عمر 10 سنوات، وتمتد حتى أوائل العشرينات، وتعتبر جسرًا بين الطفولة والنضج الكامل.
في هذه الفترة، يسعى المراهق لتحقيق استقلاله الشخصي، بينما يواجه تحديات جديدة تتعلق بالهوية، العلاقات الاجتماعية، والضغوط الدراسية.
على الرغم من أن المراهقة قد تكون مليئة بالصراعات الداخلية والتقلبات العاطفية، إلا أنها أيضًا فترة مهمة من النمو الشخصي. خلالها، يبدأ المراهق في بناء شخصيته، تحديد أهدافه المستقبلية، واكتشاف ملامح هويته الخاصة، لكن هذا النمو لا يأتي دون صعوبات؛ فالتحديات التي يواجهها المراهق، مثل القلق الاجتماعي، البحث عن القبول، أو تقلبات المشاعر، قد تكون عبئًا عليه، مما يستدعي دعمًا وتوجيهًا من الأسرة والمجتمع.
فهم المراهقة بتعقيداتها واحتياجاتها يساعد في تقديم الدعم الأمثل لهذه الفئة العمرية، وضمان عبورهم هذه المرحلة بنجاح نحو مرحلة النضج والاستقلالية.
لماذا سميت المراهقة بهذا الاسم؟
سُمّيت مرحلة المراهقة بهذا الاسم اشتقاقًا من الفعل العربي “راهق”، والذي يعني “اقترب” أو “دنا من شيء”، ويُقال في اللغة “راهق الفتى الحلم” أي اقترب من سن البلوغ.
ومن هذا المعنى اللغوي، جاءت تسمية المراهقة لتدل على المرحلة التي يقترب فيها الإنسان من النضج البدني والعقلي والنفسي، دون أن يكون قد بلغه بشكل كامل بعد، فالمراهقة ليست مرحلة نضج تام، بل هي فترة انتقالية بين الطفولة والرشد، تتميز بالتغيرات الجذرية التي تؤهل الفرد للانتقال إلى مرحلة النضج الكامل. ومن هنا، جاءت التسمية لتعبّر بدقة عن طبيعة هذه المرحلة وما تحمله من تحولات عميقة.
ويُفضل بعض التربويين والدعاة أن يُطلق على هذه المرحلة اسم “فترة التكليف” بدلًا من “المراهقة”، لما في مصطلح “المراهقة” من دلالات نفسية قد توحي بالتوتر أو الصراع، بينما مصطلح “فترة التكليف” يُركّز على جانب المسؤولية والنضج التدريجي، فبمجرد أن يبلغ الإنسان في هذه المرحلة، يُكلَّف شرعًا بالصلاة والصيام وسائر العبادات، ويصبح محاسَبًا أفعاله، ما يدل على أنه بلغ سنًا يُحتّم عليه تحمّل المسؤولية الشخصية والدينية والاجتماعية.
ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى هذه المرحلة لا كمرحلة “أزمة” كما تُصوّرها بعض النظريات الغربية، بل كفرصة لبناء الشخصية المستقلة الواعية، وتوجيه الطاقات نحو النضج والتكليف.
المشكلات و التحديات والتغيرات في مرحلة المراهقة
تُعد مرحلة المراهقة فترة مليئة بالتغيرات والتحديات، وفيما يلي عرض مبسط لبعض هذه التغيرات، مع أمثلة من الحياة اليومية وحلول يمكن أن تساعد في التعامل معها.
1- التغيرات الجسديه في سن المراهقة
يبدأ جسم الفتى أو الفتاة في التغير بشكل ملحوظ.
من هذه التغيرات: زيادة الطول، تغير الصوت، نمو الشعر في أماكن جديدة، وتغيرات في شكل الجسم.
الحل:
هذه التغيرات طبيعية تمامًا، و يمر كل المراهقين بها، من الأفضل فهم ما يحدث في الجسم وعدم الشعور بالخجل.
التمهيد من أحد الوالدين قد يساعد في تخفيف التوتر والارتباك.
2-تواصل المراهق مع الأهل
قد يأتي ابنك المراهق ليحكي لك عن مشكلة ما، حتى لو كانت مشاعر غريبة أو تصرفات غير متوقعة، في هذا الوقت، الأهم أن تسمعه جيدًا، دون أن تقاطعه أو تهاجمه على ما يقوله.
لا يحتاج المراهق إلى حلول فورًا، بل يحتاج إلى أن يشعر أن هناك من يستمع إليه ويتفهم مشاعره.
الحل:
- اسمع له بتركيز: حتى لو لم يعجبك ما يقوله، اجعل اهتمامك به يتجاوز رغبتك في إصدار أحكام. استمع له بهدوء.
- لا تسرع في تقديم النصائح: المراهق لا يبحث دائمًا عن الحلول، بل عن شخص يبوح له بما في صدره، لذا فإن التعجل في تقديم الحلول قد يشعره بأنه غير قادر على اتخاذ قراراته بنفسه.
- تجنب لومه أو نقده: كلما ابتعدت عن مثلث هدم العلاقات (اللوم – النقد – المقارنة)، كلما أشعرته بالقبول والاحترام، مما يعزز ثقته فيك.
- اعطه مساحة للتعبير: إذا بدأ المراهق في التحدث عن مشاعره، قد يكون الهدف هو التفريغ العاطفي، وليس الحصول على رأيك. فالعلاقات الجيدة تتأسس على الاستماع والاهتمام بمشاعر الآخر.
- لا تقم بمقاطعته أو ازعاجه أثناء الحديث: حتى لو كانت هناك تساؤلات أو شكوك في ذهنك. إذا قاطعته أو صرخت في وجهه، فقد يلتزم الصمت ليس لأنه اقتنع بما تقول، بل لأنه فقد الأمان العاطفي.
- استخدم أسلوبًا هادئًا في الرد: واسأله: “هل تودّ أن أبدي رأيي، أم تفضل أن أُنصت إليك فقط؟”
- كلما استمعت إليه، بنيت جسرًا من الثقة بينكما، و هذا الجسر سيكون هو ما يسمح لك بالتأثير عليه وتوجيهه بطريقة صحيحة.
نصيحة عملية:
عندما يبدأ المراهق في التحدث، اترك الهاتف جانبًا، وانظر في عينيه مباشرة، وقل له: “أنا معك، تفضل في الحديث، فأنا أفهمك”. المراهق في هذه الفترة يحتاج إلى حضن مسموع أكثر من محاضرة محفوظة.
الاستماع الجيد هو أساس العلاقة القوية مع المراهق، وعندما يشعر أن هناك من يثق في مشاعره ويستمع إليه بعناية، سيكون أكثر استعدادًا للاستماع لك في المقابل.
3- خصوصية المراهق ليست “تمردًا”
كثير من الأهالي ينتابهم القلق عندما يبدأ الأبناء – خاصة في سن المراهقة – في طلب الخصوصية أو قضاء وقت أطول بمفردهم، هذه التغيرات قد تُفهم خطأ على أنها تمرد أو بعد عن الأسرة؛ لكنها في الحقيقة علامات طبيعية على النمو والاستقلال.
ولفهم الخصوصية عند المراهق لابد من الإشارة لهذه النقاط المهمة:
- الخصوصية لا تعني البُعد أو التمرد، بل تعني أن ابنك بدأ يبني عالمه الخاص ويبحث عن هويته.
- احترام الخصوصية يُشعره بأنك تثق به، وهذه الثقة تقرّبه منك، لا تُبعده عنك.
- عدم الضغط عليه للكلام أو المشاركة يجعله أكثر راحة في اللجوء إليك عندما يحتاج.
و إذا وجدت ابنك صامتًا أو يفضل الجلوس بمفرده، لا تضغط عليه،
اسأله بلطف:
“هل تودّ أن أتركك لبعض الوقت؟ أم تفضّل التحدث معًا؟”
هذا السؤال يعطيه مساحة شخصية، ويُشعره بالأمان في نفس الوقت.
الحل:
أن تكون الحضن الآمن الذي يعود إليه وقت الحاجة، حتى إن بدا بعيدًا أحيانًا، وأن تكون قريبًا دون أن تقتحم خصوصيته، وأن تنصت إليه عندما يتحدث، وتحترم صمته عندما يحتاج إلى هدوء.
4- عصبية المراهق ليست عنادًا… بل نداء للفهم
في مرحلة المراهقة، يُعد الغضب والانفعال سلوكًا شائعًا، لكنه لا يعني بالضرورة التمرد أو قلة الاحترام، الرد بعصبية من الأهل يزيد الفجوة، بينما التهدئة والتفهم يفتحان بابًا للحوار.
أسباب عصبية المراهق:
- تغيرات هرمونية تؤثر على المزاج والسلوك.
- الرغبة في الاستقلال والشعور بالتحكم من الآخرين.
- الضغط الدراسي والاجتماعي وتوقعات الأهل والمدرسة.
- الشعور بعدم الفهم أو التقدير من المحيطين.
- التقليد لسلوكيات العصبية المنتشرة في المجتمع أو عبر منصات التواصل الاجتماعي (السوشال ميديا).
مواقف يومية تُشعل غضب المراهق:
- الأم تطلب المذاكرة فور عودته من المدرسة ⬅ يشعر بالإرهاق وقلة التقدير.
- التعليق على ملابسه أمام الآخرين ⬅ يشعر بأن شخصيته غير مقبولة.
- وصفه بالكسل علنًا ⬅ يشعر بالإحراج ويفقد الثقة بنفسه.
- توبيخه على درجة دراسية رغم محاولته ⬅ يشعر بالإحباط.
لماذا علينا أن نهدأ نحن أولًا؟
عندما يهدأ الوالدان، فإن المراهق يستمد الأمان ويستطيع التحكم في انفعاله، فيبدأ العقل في العمل بدل الغضب، مما يسمح بالحوار والنقاش بدلاً من الصدام.
نصيحة عملية:
بدلًا من أن تقول:
“لماذا أصبحت شديد الانفعال؟!”
جرب أن تقول:
“لاحظت أنك منزعج، هل تودّ أن تخبرني بما يضايقك؟”
فالمراهق لا يحتاج حكمًا، بل من يفهمه ويمنحه الأمان والمساحة للتعبير عن نفسه دون خوف.
5- الحب في سن المراهقة… مشاعر طبيعية تحتاج توجيهًا لا خوفًا
الحب في هذا السن ليس خطرًا، بل تجربة شعورية طبيعية ففي سن المراهقة، يكون القلب حساسًا وفضوليًا، لذا من الطبيعي أن يشعر الأبناء بالإعجاب أو الحب.
الشعور بالحب ليس خطأ، لكن المهم هو التفرقة بين الشعور والسلوك:
- الحب شعور داخلي.
- أما الفعل (كالخروج، والكلام غير المناسب…) فيحتاج إلى وعي وتفكير.
التوازن بين الفهم الديني والتربوي:
الدين لا يحرّم المشاعر، بل يوجّهها ويحميها:
قال تعالى: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم…”، أي أن الحفاظ على الجوارح وسيلة لحماية القلب.
- النبي ﷺ قال: “لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح”، أي أن الحب الحقيقي نهايته الحلال، لا التسلية أو العلاقات المؤذية.
المراهق ليس مؤهلاً بعد لعلاقة كاملة، لذا يجب أن يعرف أن الحب الحقيقي يحترم ويصون نفسه حتى يحين وقته الصحيح.
الحل:
علّم ابنك التعبير عن مشاعره بطريقة صحيحة، دون كبت أو تهور، و شجّعه على احترام مشاعره وعدم التقليل منها.
و قل له: “مشاعرك ثمينة، ولا ينبغي أن تُهدر في مكان لا يليق بها”،
“التعبير عن الحب ليس ضعفًا، فالقوة الحقيقية أن تُحسن الحب وتعقِله”.
نصيحة عملية:
- افتح باب الحديث عن المشاعر في البيت.
- اسأله بهدوء: “بمَ تشعر الآن؟ مالذي يناسبك في هذه اللحظة، ومالذي لا يناسبك؟”
- ساعده في التفريق بين الإحساس الطبيعي، والتصرف المناسب، وامنحه الأمان ليقبل النصيحة من غير خوف أو خجل.
6- الضغط الاجتماعي من الأصدقاء
يسعى المراهق أحيانًا لأن يكون مثل أصدقائه حتى يشعر بالقبول، وقد يقوم بتصرفات لا تشبهه، مثل:
بدأت الابنة باستخدام المكياج فقط لأن صديقاتها يفعلن ذلك، رغم أن والدتها لا توافق.
الحل:
من المهم أن يبقى المراهق على طبيعته، ساعده على التفكير بشكل منطقي: هل ما يفعله يناسبه حقًا؟ أم فقط ليرضي الآخرين؟ هل يحاول تقليد من حوله على حساب شخصيته؟
نصائح فعالة للتعامل مع المراهقين
ما تناولناه في هذا المقال لا يشمل جميع المشكلات أو المخاوف التي يواجهها المراهقون خلال هذه المرحلة؛ إذ إنّ هناك العديد من التحديات والتغيرات النفسية والجسدية والاجتماعية التي تتطلّب الفهم والاحتواء.
ولكن رغم تنوع الصعوبات، تظل هناك نصائح عامة مهمة يمكن أن تُحدث فرقًا حقيقيًا في علاقتنا مع أبنائنا في سن المراهقة:
- استمع أكثر مما تتكلم: فالمراهق يحتاج من يفهمه لا من يحاكمه.
- امنح الثقة والمسؤولية تدريجيًا، وساعده على اتخاذ قراراته بنفسه.
- افتح باب الحوار دائمًا، دون تهديد أو تخويف، بل بالهدوء والاحترام.
- تجنب المقارنة واللوم المستمر، فكل مراهق له شخصيته وظروفه.
- اظهر الحب والدعم دائمًا، حتى في لحظات الخلاف أو الخطأ.
- تحلَّ بالصبر، فشخصية المراهق لا تكتمل في يوم وليلة، بل هي في رحلة نضج وتكوين.
ختامًا
المراهق لا يحتاج إلى والدين مثاليين، بل إلى من يكون بجانبه، يفهمه، يرشده، ويحتويه دون أن يفقد ثقته بنفسه أو بمن حوله.
اترك تعليقاً