مقدمة
فصل من كتاب ” توقف عن إهدار حياتك ” للكاتب كوري موسكارا، والذي مضمونه: عِش اللحظة الراهنة وحقّق السعادة والسلام الداخلي. الفصل بعنوان: السماح – الإذن بأن تكون إنسانًا.
يقول الكاتب:
كان ذلك اليوم الثالث في بورما، وكنت أتوق بفارغ الصبر لهذا الاجتماع مع معلمي. حيث يلتقي، جميع المتأملين في الدير، بمعلم مرة كل بضعة أيام؛ لمناقشة كيفية سير ممارسة التأمل وطرح الأسئلة، في فترة لا تتجاوز خمس إلى سبع دقائق. وفي صلب الموضوع: تصف بشكل مفصل جدًا ما تلاحظه في ممارسة التأمل، ولا شيء أكثر من ذلك. لم تصمم هذه المقابلات لتكون جلسات علاج حوارى. وقد تعلمت ذلك بالطريقة الصعبة.
بعد بضعة أيام من الحياة الرهبانية المتقشفة والجلوس ساكنًا لساعات طويلة كل يوم، أصبت – نتيجة لذلك – بألم يمتد من قاعدة عمودى الفقري إلى أعلى رقبتي. شعرت كأن كل عضلات ظهري تشتعل، وإذا تجرأت على التنفس بعمق، كان الألم ينتشر حول بطني ويدفعني إلى الانكماش على نفسي. لم أرى نفسي قادرًا على الاستمرار هكذا لمدة ستة أشهر، وكانت المقابلة هي أملي الوحيد في الحصول على بعض النصائح للتخلص من الألم
لمواكبة جدول المقابلات كان لدى المعلم الموقر طريقة لتحقيق اقصى قدر من الفاعلية: كان هناك دائمًا شخصان في غرفة الاجتماعات في نفس الوقت. عندما ينتهي أحدهما ، يبدأ الآخر، ويأتي شخص جديد إلى الغرفة.
بالنسبة لشخص أخرج نفسه من سباق الحياة المحموم وكرس حياته للهدوء، لم يكن يعبث بوقته.
انتظرت دوري بفارغ الصبر، وعندما حصلت على إيماءة من أستاذي للبدء، انحنيت ثلاث مرات وضممت يدي وقرأت تقريري:
“أيها المعلم، عندما أتأمل أركز على أنفاسي. أنتبه إلى ارتفاع وانخفاض الأحاسيس في بطني. عندما تخطر ببالي فكرة، أكون على وعي بها ثم أعيد انتباهي إلى تنفسي. أفعل ذلك مرارًا وتكرارًا خلال التأمل.
لكن، لأكون صادقًا أيها المعلم، أنا أعاني قدرًا كبيرًا من الألم الجسدي. إن شدة التأمل، الجلوس، قلة النوم، والفراش الصلب تجعل كل عضلات ظهري تتشنج. الألم شديد لدرجة أنني أشعر وكان جسدي يشتعل. عندما أتأمل بالكاد أستطيع تحمله. أتمنى أن تتمكن من مساعدتي في هذا الأمر.”
نظرت إلى الأعلى وانتظرت رده، بصبر بينما نقلت المترجمة تقريري. عندما انتهت، ابتسم في وجهى نصف ابتسامة وقال : ” فقط كن أكثر حضورًا .”
انتظرته كي يقول المزيد، لكنه لم يفعل. بقيت عبارة “فقط كن أكثر حضورًا” عالقة في ذهني. في الأشهر الستة التي أمضيتها في بورما، ومن بين ما يقارب 60 مقابلة قمت بإجرائها، أعتقد أن 10 إلى 15 منها انتهت به: ” فقط كن أكثر حضورًا .”
عندما أقول: “أيها المعلم، أنا أعاني من النوم أثناء التأمل.” ” فقط كن أكثر حضورًا .”
“أيها المعلم، الضوضاء الصادرة عن صيانة السطح في قاعة التأمل تشتت انتباهي.” يقول: “فقط كن أكثر حضورًا.”
“أيها المعلم، أفتقد عائلتي وأريد العودة إلى المنزل.” يقول: ” فقط كن أكثر حضورًا .”
ولأكون صريحًا، كنت غاضبًا نوعًا ما. أنني سافرت الاف الكيلومترات والتزمت بتدريب صعب لأتعلم شيئا كان يمكننى قراءته فى ورقة الحظ
! لم أكن أعتقد أن هذه الكلمات الأربع كانت جوابًا شافيًا لمعاناتي. لم أكن أعتقد أن هذه الكلمات الأربع كانت جوابًا شافيًا لأي شخص يعاني. تخيل نفسك تعاني من ألم جسدي شديد وأقول لك: ” فقط كن أكثر حضورًا .” أو تم تسريحك من وظيفتك وأقول لك: ” فقط كن أكثر حضورًا .” أو أنك تتألم لأن طفلك مريض وأقول لك: ” فقط كن أكثر حضورًا .”
في كل مرة قال: “فقط كن أكثر حضورًا” كان جسمي يقشعر من التوتر، لكنني لم أستطع فعل شيءحيال ذلك . بل كان عليّ أن أنحنِى وأقول: “شكرًا لك أيها الحكيم، هذه النصيحة الرائعة!”
أو هذا ما اعتقدت.
ذات يوم، بعد حوالي شهرين من حياة الرهبانية، فعلت شيئا مجنونا وطرحت على المعلم سؤالا: “أيها المعلم، ماذا تقصد عندما تقول: فقط كن أكثر حضورًا ؟”
وبينما كنت أنظر إليه، تحولت معالم وجهه الصارمة إلى ابتسامة دافئة، ثم قال بلغته الإنجليزية الضعيفة ذات اللكنة الرتيبة: “عندما نكون حاضرين، لا يحاول ذهننا الذهاب إلى مكان آخر، وإنما يلتقي باللحظة كما هي.
هذه هي ممارستنا: أن نتعلم عدم الهروب ( من ) ، وعدم التمسك ( بـ ) ، ما هو موجود هنا. اللحظات السيئة تأتي وتذهب، اللحظات الجيدة تأتي وتذهب. يمكنك محاربة السيء، لكنه سيعود. ويمكنك التمسك بالجيد، لكنه سيمر. إن الطريقة الوحيدة لإيجاد سلام حقيقي هي أن تكون حاضرًا مع ما هو موجود. فقط كن أكثر حضورًا ، أكثر وأكثر وأكثر.”
توقفت مع نفسي وقلت: في الواقع، هذا يبدو منطقيًا.
ودعته بانحناءة تحمل المزيد من الخشوع، تاركًا هذه المقابلة مذهولاً من حقيقتين: أن هذا الراهب المتستر يتمتع ببعض الحكمة، وأن عبارة “فقط كن أكثر حضورًا” لم تكن هي المشكلة. كان الأمر أنني لم أكن أشعر بعد بقيمة العمق والثراء والعناية التي تتشبع بها لحظة من الحضور. وما اعتبرته نصيحة متسرعة وبائسة كان في الواقع أكثر حكمة وتعاطفًا ودقة.
ما كان أستاذي يلاحظه في مقابلاتي هو نفوري من الطريقة التي تسير بها الأمور. لم أكن أريد أن يكون هناك ألم، لم أكن أريد أن يكون هناك ضوضاء، لم أكن أريد أن يكون هناك شعور بالوحدة.
وما كان يعرفه – ولم أكن أعرفه بعد – هو أن إعطائي نوعًا من الوصفات الطبية للتخلص من هذا الانزعاج، لن يؤدي إلا إلى تعزيز حلقة الدفع والسحب الداخلي.
هل تعرف تلك الحلقة؟ دفع الأشياء التي لا نريدها بعيدًا، وسحب الأشياء التي نريدها قريبًا. المزيد من هذا، والقليل من ذلك…… يعجبني هذا، ولا يعجبني ذاك…..
دفع وسحب، دفع وسحب، دفع وسحب.
إذا راقبنا ذهننا، نلاحظ أنه مشغول في معظم الأوقات بهذه الحلقة المستمرة من الدفع والسحب: ممسكًا بالتجارب الممتعة، ومقاوما المؤلمة.
هذا ما يشير إليه البوذيون باسم “السامسارا”، وهي حلقة لا تنتهي من محاولة العثور على سعادة دائمة في شيء غير دائم بطبيعته ، بعبارة اخرى طريق نهم نحو الاكمال.
فكر في الأمر: متى كانت لديك لحظة جيدة استمرت إلى الأبد؟ هل كان يوم زواجك بداية النعيم الأبدي؟ هل كانت ولادة طفلك الاول سعادة متواصلة ؟ هل ضمنت ملعقة الآيس كريم الذائبة تلك الرضا الدائم لتذوقك ؟
وعلى نحو مماثل، متى مررت بلحظة سيئة استمرت إلى الأبد؟ هل الخجل الذي شعرت به من فعل شيء غبي لا يزال يهيمن على أفكارك؟ هل لا يزال الإحباط الذي شعرت به وأنت جالس في زحام السير قبل ثلاث سنوات يجعلك تضغط على أسنانك؟ هل لا يزال عدم الاستقرار الذي شعرت به في أول يوم لك بوظيفتك الجديدة بنفس الشدة؟
يمكن – طبعًا – لبعض التجارب أن تدوم. قد لا يزال زواجك يجلب لك فرحًا كبيرًا. قد لا يزال الخجل الذي شعرت به يعيق حياتك. لكن كثافة وفورية هذه التجارب لا تستمر بطريقة ثابتة. حتى الألم المزمن والحزن والاكتئاب – تجارب يمكن لها أن تستمر لفترة طويلة – تتراوح حِدَّتها بين مد وجزر.
كل التجارب، الأفكار، العواطف، الأحاسيس، المشاهد، الأصوات، الروائح، الأذواق، وكل ما يشكل تجربتك في كونك إنسانًا، هو في تقلب مستمر وتغير دائم.
إذا كان لدينا وهم مفاده أن يومًا ما سيتحقق كل ما نرغب به في ترتيب دائم و مثالي،
أننا سنصل إلى مستوى معين من الثروة والمكانة والمظهر والإنجاز والشفاء، وبعد ذلك سيكون الإبحار سهلاً… حسنًا، أنا أكره أن أخبرك بأننا مخطئون تمامًا.
وحتى لو تطابقت ظروفنا الخارجية مع كل ما كنا نحلم به دائمًا، بفضل التغير الدائم للكون، فإن ظروفنا الداخلية ستعتاد على هذا الواقع الجديد، وستتطلب شيئًا جديدًا لتحقيق نفس الرضا. نمط الحياة الذي أعجبنا به من قبل، لو كان بالإمكان “الوصول إلى هناك” أو “الحصول على ذلك”، يصبح غالبًا مجرد درجة أخرى نتمسك بها ونحن نستمر في تسلق سلمنا الذي لا ينتهي نحو السعادة.
لذلك، فإن الطريقة المثلى لتطوير شكل أكثر استقرارًا للسعادة هي ألا تعتمد هذه السعادة على الظروف العابرة للحظة. هذا ما كان أستاذي يحاول مساعدتي في تطويره عندما قال: ” فقط كن أكثر حضورًا .”راني عالقًا في حلقة الدفع والسحب، وبدلاً من تعزيز ذلك من خلال إعطائي بعض الحلول المؤقتة للتخلص من الألم، شجعني على تعلم أن أكون حاضرًا مع الانزعاج؛ لأتمكن من تنمية سعادة لا تعتمد على لحظة مصممة بشكل مثالي حسب رغبتي.
بطبيعة الحال، يمكننا فعل الكثير من أجل راحتنا عن طريق تغيير وصياغة حياتنا وعالمنا عمدًا: تسديد الديون، تكوين صداقات جيدة، وضع قوانين. فهناك العديد من المشاكل المتعلقة بسعادتنا والتي يمكن حلها بالانتقال من العيش في فقر إلى التمتع بالاكتفاء المالى بحيث لا نقلق بشأن الطعام والإيجار والرعاية الصحية
سيكون لهذه التحولات اثارا قابلًة للقياسً، وهذا أمر لا جدال فيه.
نقطة الخلاف بين حجتي وحجة معلمي هي أنه مهما كان ما نحققه، ومهما كانت التحسينات على عالمنا الخارجي، فإن عقلنا لا يزال يميل إلى دفع السيء بعيدًا والتماس المزيد من الجيد، والذي لا يمكنه أن يشبع بشكل كامل أبدًا من خلال الظروف الخارجية فقط. إذا لم نفعل شيئًا لمعالجة نهج الدفع والسحب الفطري هذا للسعادة، فسنستمر في الشعور بـ “لو كان لدي ذلك، لكنت سأكون سعيدًا.”
فماذا عن ما بين يديك الان لتسعد به ؟؟؟؟
*** قصة شوندرا
يتبع الكاتب مقصوده بقصة لإحدى الحالات التي كانت تتعامل معه: وهنا يقول:
كانت شوندرا من أوائل طلابي للعلاج من الإدمان الكحولي لأكثر من عقد، عندما أتت إلي كانت قد توقفت عن الشرب منذ فترة قصيرة، وتواجه مستويات عالية من التوتر والحزن المتواصل منذ وفاة والدتها قبل عدة سنوات. كان لممارسة التأمل واليقظة الذهنية تأثير فوري على شوندرا، فقد قلل من توترها وساعدها على استيعاب الحزن وتجاوزه، ومنحها إحساسًا بالسلم لم تختبره من قبل. كان هذا تحولًا ملحوظًا شهدناه سويًا.
بعد عام من العمل، توقفت عن الحضور إلى جلساتنا دون سابق إنذار. حاولت التواصل معها، ولكنني لم أتلق أي رد. كنت أعلم أن والدها مريض، وخشيت أن يكون اختفاؤها مرتبطًا بمرضه، نظرًا إلى أنها فقدت والدتها قبل بضع سنوات فقط ولم تخرج من الحزن الشديد إلا مؤخرًا. كنت قلقًا من أن يكون هذا أكثر مما يمكنها تحمله.
بعد عدة أشهر، عادت إلى جلساتنا وأكدت مخاوفي. أخبرتني أن والدها قد توفي. قالت لي وهي تبكي: “شكرًا لك.” ثم مضت لتخبرني أن الحضور في وفاة والدها كان من أكثر التجارب إيلامًا وجمالًا في حياتها.
شرحت لي أن الطريقة التي حاولت فيها تجاوز حزنها عندما ماتت والدتها كانت من خلال الكحول. كانت شدة الألم فوق طاقتها على التحمل، لذلك خدرت نفسها لتختبئ من التجربة. “كانت هناك، ولكنها لم تكن هناك فعلاً.” وقضت السنوات التالية في محاولة تجاوز الألم المزمن والندم الذي شعرت به لعدم صفاء ذهنها أثناء وفاة والدتها.
أما أثناء وفاة والدها، وهي الآن لم تعد تشرب ولديها تجربة في ممارسة التأمل الذهني، تمكنت من البقاء حاضرة في مواجهة الألم. استطاعت مواساة أطفالها وهم يحزنون على فقدان جدهم، وتركت نفسها تضحك وتبكي مع أشقائها وهم يسترجعون ذكرياتهم مع والدهم، واستطاعت أن تكون بجانب والدها في لحظاته الأخيرة.
وعلى الرغم من أن هذه كانت واحدة من أكثر الأوقات صعوبة في حياتها، قالت إن التجربة جعلت قلبها أرق، وعمقت ارتباطها بروحانيتها، وجعلتها أقرب إلى أحبائها.
يمكن لأصعب لحظات الحياة أن تحقق أفضل نمو وبصيرة ورؤية، ويمكنها أيضًا أن تطيح بنا إلى حالة ضعف تجعلنا أكثر تقبلاً لأشياء مثل الحب والاتصال والصدق والأصالة. كما نصبح أكثر قدرة على أن نتواصل مع الأشخاص الذين يهمنا أمرهم، ونعيد ترتيب أولوياتنا في الحياة.
لا أعتقد أن الألم والمآسي هي تجارب يجب أن نمجدها أو نحاول خلقها، لكنني أعتقد أنها حقيقة كوننا بشرًا. عندما نمنح أنفسنا الإذن لتجربة النطاق الكامل لإنسانيتنا، فإننا نختبر نوعًا من الكمال والسلام اللذين لا يمكن أن يتحققا إلا من خلال البقاء منفتحين على الحياة.
ولكن هناك فائدة أخرى للبقاء حاضرين، فائدة غير متوقعة. بعد عدة أشهر من وفاة والدها، وصفت شوندرا امتلاكها المستجد للقوة والتمكين. بعد أن كانت حاضرة مع هذا الألم العاطفي الشديد وخرجت سليمة، شعرت بخوف أقل في حياتها اليومية. الأشياء التافهة التي كانت تبدو لها كبيرة: قيادة الناس المتهورة والمستفزة، ضغط العمل، التوفيق بين متطلبات الأمومة المختلفة، كانت تبدو صغيرة مقارنة بما مرت به. كما أن احتمالية حدوث أشياء أكبر، مثل فقدان وظيفتها أو المرض أو فقدان شخص آخر – لا سمح الله – تجعلها تشعر بقدر أقل من الرعب.
لم يكن ذلك بسبب عدم اعتقادها أن هذه الأشياء ستكون مؤلمة، بل كان لديها الآن احترام جديد لمدى الألم الذي يمكن أن تكون عليه الحياة. فجاء إحساسها بالتمكين من معرفة أنها يمكن أن تتغلب على الألم ولا تجعله يكسرها.
هذا التلقيح النفسي هو الأساس لما نسميه مفارقة أن تكون “لا تقهر”. إن عبارة “لا تقهر” كما أعرفها هي الإيمان بأنه يمكنك التعايش .. ( مع ) .. وتجاوز .. ( كل ) .. ما يأتي في طريقك. وهذا ليس مجرد أي نوع من الإيمان، إنها ثقة متجسدة وعميقة، ثقة لا تتزعزع بأننا أكبر من تجربة اللحظة.
ولا نحصل على هذه الجسارة من التفكير الإيجابي، ولن تأتي من قراءة كتب تنمية ذاتية تشعرنا بالحماس، أو بالتأكيد لم تأتِ من محاولتنا أن نكون متحجرين في مواجهة الألم. ولم نحصل عليها بالسعي إلى القضاء على الخوف. لا يمكن اكتساب هذا الإيمان إلا من خلال التجربة، والسماح لأنفسنا بتجربة الأجزاء الصعبة من كوننا بشرًا. أن نكون مع هذا الألم.
وهنا تكون المفارقة: لتنمية هذا النوع من القدرة على أن “لا نقهر”، نحتاج أولاً أن نسقط القناع الذي ندعي من خلاله أننا لا نخاف. لفهم كيفية التعامل مع اللحظة الصعبة، وتطوير ثقتنا بأنه يمكن أن نكون مع تلك اللحظات، احتجنا إلى أن نكون ضعفاء وشجعانًا بما يكفي للبقاء حاضرين لها.
*** اثراءا للمعنى
قصة كل هذا حتماً سيمرّ
( اضيف انا هنا قصة من التراث العربي لتوضيح المقصود اكثر )
*** جمع الملك كل حكماء بلاطه، ثم طلب منهم طلباً واحداً؛ عبارة تُكتب فوق عرشه،ينظر إليها في كل آن وحين ليستفيد منها.
قال لهم موضحاً: أريد حِكمة بليغة، تُلهمني الصواب وقت شدتي، وتعينني على إدارة أزماتي، وتكون خير موجّه لي في حالة السعادة والفرح والسرور..
فذهب الحكماء وقد احتاروا في أمرهم، وهل يمكن أن تصلح حكمة واحدة لجميع الأوقات والظروف والأحوال.. إننا في وقت الشدة والكرب نريد من يهوّن علينا مصائبنا وبلاءنا، وفي حال الرخاء والسعادة نطمح إلى من يبارك لنا ويدعو بدوام الحال.
وعاد الحكماء بعد مدة وقد كتبوا عبارات وعبارات، فيها من الحكمة والعظة الشيء الكثير؛ لكنها كلها لم ترُق للملك.
إلى أن جاءه أحد حكماء مملكته برقعة مكتوب عليها “كل هذا حتماً سيمرّ”..
نظر الملك مليًّا في الرقعة؛ بينما أخذ الحكيم في الحديث: يا مولاي الدنيا لا تبقى على حال.. ومن ظنّ بأنه في مأمن من القَدَر فقد خاب وخسر..
أيام السعادة آتية؛ لكنها حتماً ستمرّ..
وسترى من الحزن ما يؤلم قلبك.. ويدمي فؤادك..لكن الحزن أيضاً سيمرّ..
ستأتي أيام النصر لتدقّ باب مملكتك، وسيهتف الجمع باسمك الميمون؛ لكنها يا مولاي أيام، طالت أو قصرت.. ثم ستمر..
سترى بعينيك رفعة الشأن، وبلوغ المكانة العالية؛ لكن سُنّة الله في الكون أن هذا سينتهي ويمرّ..
البعض يا مولاي لا يفقَهُ هذه الحكمة؛ فيملأ الدنيا صراخاً وعويلاً حال العثرة،
ويظن بأن كبوته هي قاصمة الظهر ونهاية المطاف؛ فيخسر من عزيمته الشيء الكثير، ويأبى أن يرى ما بعد حدود رؤيته الضيقة..
يحتاج حينها لمن يُثّبت عزيمته مؤكداً أن هذا ..حتماً سيمرّ .. ؛ فلا يجب أن يرى العالم ذُلّ انكساره، وضعفه وهوانه..
والبعض الآخر يا مولاي ينتشي سعيداً فلا يضع في حُسبانه أن الأيام دُوَل؛ فيكون البَطَر والتطرّف في السعادة هو سلوكه وطبعه؛ ظانًّا بأنه قد مَلَك حدود الدنيا وما بعدها.
وحكمة الله يا مولاي أن كل أحوالنا، حسنها وسيئها، سرورها وحزنها،حتماً ستمرّ. حينها تبسّم الملك راضياً، وأمر بأن تُنسخ هذه الحكمة البليغة، وتوضع؛ لا فوق عرشه فقط؛ وإنما في كل ميادين المملكة..
كي يتذكر كل من يراها أن ” دوام الحال من المحال “ وان “ كل هذا سوف يمر “
اترك تعليقاً