✨ كيف نُربّي أنفسنا على المعروف ونكفّها عن الشر؟
“ومن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره”
هكذا علّمنا الله أن الخير -ولو بدا صغيرًا– عظيمٌ في ميزانه. والعادات الخيّرة التي نغرسها يومًا بعد يوم، هي اللبنات الصلبة لبناء نفسٍ مطمئنة، وقلبٍ نقي، وسلوكٍ يرضي الله ويزكّي الحياة.
🌱فالنتعرف معا على معناها وكيفية بنائها في هذا المقال

💭 ما المقصود بعادات الخير؟
تخيّلي عادات الخير كبذرة صغيرة تُغرس في أرض القلب؛ قد تبدو ضعيفة في البداية، لكن مع سقيها بالمداومة، وتعريضها لشمس الإخلاص، وحمايتها من شوك المعاصي، تنمو شيئًا فشيئًا حتى تصبح شجرة راسخة، تُظلّ صاحبها، وتُثمر له في الدنيا حسنات، وفي الآخرة جنات.
عادات الخير لا تُشترط أن تكون يومية أو ضخمة. بل قد تكون بسيطة، متفرقة، وقد لا تظهر ثمارها إلا بعد حين.

لكن المهم أن نُوسّع في تصورنا لها:
• فلا نختصرها في ترك المحرمات فقط، بل إن أداء الفرائض أعظم وأولى وأهم من مجرد اجتناب المحظورات، وإن كان تركها واجبًا لا غنى عنه. فالإيمان يحتاج إلى تغذية دائمة وزيادة في الرصيد الإيماني، لنتمكّن من مقاومة الشهوات وصعوبات الطاعات..
ولا ينبغي أن نضيّق مفهوم الخير في أذهاننا، فالله تعالى في سورة المزمل أمر بقيام الليل، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، وهذه كلها موجودة في الصلاة التي هي من أعظم القربات. غير أن التكاليف الشرعية، ومجاهدة النفس، وتحسين الأخلاق، وحسن التعامل مع الأبناء والناس، والدعوة إلى الله،و ضبط النفس عن الغضب عادة خيروصلة الرحم، والدعاء، ومراعاة الوالدين، والابتسامة، والنوافل… كلها من عادات الخير ، كلها مهام ثقيلة على النفس، تحتاج إلى ضبط وتهذيب.
ولذلك لا بد من رصيد إيماني حيّ: قلبيّ، وعقليّ، وروحيّ، يقوي المسلم على مواجهة الشهوات والشبهات، ويعينه على المداومة في الطاعات. وقد دلّنا الإسلام على الطريق الواضح لتحقيق ذلك، فهي ليست سرًا ولا حكرًا على أحد، وإنما هي طريقة النبي ﷺ في تربية الصحابة؛ إذ ربّاهم على الطاعات وبناء عادات الخير..تدريج، ثبات، نية، وتعظيم القليل.
واهم ما يجب ان تعرفه قبل ان تبدا مالذي تحتاجه وان تصارح نفسك بما انت مقصر فيه من عادات الخير ويمكنك ان تستنصح من حولك فقد يدلك احدهم الى ما لم تنتبه له ويوجهك له
ومهم ايضا ان تعرف انك اذا اردت ترك عادات سيئة فاول ما يجب ان تفعله هو اكتساب عادات الخير
كيف نبني عادات الخير؟
بناء عادات الخير هو استثمار العمر؛ فكل عادة صغيرة صالحة تُضيف لبنَة في صرح إيمانك، ومع الاستمرار تتحول الأفعال البسيطة إلى طاقة نور تدفعك للثبات والنجاح في الدنيا، وتفتح لك أبواب القرب من الله في الآخرة.
هل تتصور بناءا يبدا بصور او عمود ؟كله يبدا بطوبة واحدة..

🔑 الخطوة الأولى: لا تحتقر القليل
قال ﷺ: “لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.”
بناء عادات الخير يبدأ بفعل ما نستصغره من الطاعات وترك ما نستحقره من المعاصي.
• لا تنتظر عادة ضخمة، ابدأ بابتسامة.
• سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم… خفيفتان، لكن ثقيلتان في الميزان.
• سنة الفجر خير من الدنيا وما فيها.
• اقرأ سورة الإخلاص، فهي تعدل ثلث القرآن.
ابدأ بما تقدر عليه، لا بما تتخيله.
فلو ثبت القليل، سيفتح الله لك الكثير.
الإسلام لا يقيس بالأرقام، بل بالنيات والإخلاص.
• البغي التي سقت الكلب دخلت الجنة.
• المرأة التي حبست الهرة دخلت النار.
لا تستصغر خيرًا، فقد يكون هذا القليل سببًا لرحمةٍ عظيمة.
🧭 الخطوة الثانية: افهم لعبة الشيطان!
الشيطان لا يبدأ بالذنوب الكبرى، بل:
• يصغر الطاعات في عينك حتى تتركها.
• يصغر المعاصي حتى تستسهلها.
فإذا كان خيرًا صغيرًا… افعله!
وإن كان شرًا صغيرًا… اتركه!
🪴 الخطوة الثالثة: قاعدة التثبيت قبل التوسع
“قليل دائم خير من كثير منقطع.”
التسرع في الزيادة يعني غالبًا ترك العادة.
في البداية، المطلوب هو الاعتياد لا الإتقان.
اعتيادك على الفعل أهم من كثرته وجودته.
إذا صليت ركعتين نوافل ثم قطعتها، فهذا أقل نفعًا من صلاة ركعة ثابتة كل يوم.
🧠 الخطوة الرابعة: العقل العملي لا الحالم
الناجح هو العملي، لا الحالم:
• من يلتزم بخلق حسن واحد لفترة حتى يرسخ، أفضل ممن يتنقل بين عشر عادات ولا يثبت على شيء.
✏ قواعد الاستمرارية والانضباط:

قواعد تعيننا على الاستمرارية والانضباط وتحمل مسؤولية عاداتنا الصغيرة
1. الاستعانة بالله وعدم العجز:
ابدأ كل سعي بتفويض أمرك لله، دون أن تُضخّم الأسباب أو تحتقرها. التوازن النفسي مطلوب، فلا تستهِن بالخطوات الصغيرة. تذكّر موقف أبي بكر رضي الله عنه حين ارتدّ العرب بعد وفاة النبي ﷺ، فأخذ بالأسباب وأعاد الاستقرار.
2. لا وجود لخطة مثالية:
تخلّص من وهم الترتيب المفرط والخطط الكاملة، واستشر أهل الثقة وابدأ بالعمل. المهم أن تستمر، ولو بشيء قليل، فهو يُعلّمك الانضباط ويهذب النفس على الالتزام، حتى في غياب القناعة أو الحماسة.
3. مراعاة تقلّب القلب:
للقلب حالات من الإقبال والإدبار. إذا فتر، فتمسّك بالفرائض وواجبات الحياة، فمع الوقت يقلّ الإدبار. لا تطلب من نفسك المثالية المستمرة، فكما قال ﷺ: “إن لكل شِرَّةٍ فَترة”، ومن حافظ في فترته على أصل الطاعة، فقد نجا.
4. لا تنتظر صفاء النفس:
لا تؤجّل العمل حتى تكون نفسيتك رائقة أو حالتك مثالية. درّب نفسك على الاستمرار رغم الضيق، فصاحب العادات الرصينة لا يتأثر بتقلّباته النفسية، بل يسير بتوازن مهما تغيرت حاله.
5. أبلغ من حولك بلطف بخططك:
شارك مَن تثق بهم نواياك، ليدعموك ويتفهّموا سلوكك. فمثلاً من ينوي التخفيف من السكر يُفيد أن يخبر من حوله بذلك، ليتعاونوا معه بدلًا من إعاقته.
6. عالج الخطأ بخير من جنسه:
إن أخطأت، فبادر بالإصلاح من ذات الباب. أغضبتَ زوجتك؟ أرضِها. ظلمتِ ابنك؟ أعيدي له حقه. فالتوبة الفورية وإصلاح الخطأ يعزّزان العزيمة ويمنعان فتور الهمة.
7. اعرف أين تقف قبل أن تبدأ:
قيّم واقعك بصراحة: هل لديك هذه العادة؟ لماذا تركتها؟ ما ظروفك الآن؟ كم طاقتك؟ هذه الأسئلة تهيئك لبداية مناسبة لقدراتك وظروفك.
8. النجاح يبدأ من 70%:
نحن نعبد الله بما نستطيع، لا بما نطمح فقط. لا تُلزم نفسك بالكمال، فحتى لو بلغت 30% من هدفك، فأنت في طريق الخير. التدريج مفتاح الاستمرارية.
9. لا تعِدْ التخطيط، فقط خفّض المعيار:
إذا تعثّرت لا تعُد لورقة التخطيط من جديد، بل خفّف من معيار التوقع، وابدأ من جديد بما تستطيع.
10. عُد فورًا بما استطعت:
إذا فاتك وِرد أو عادة، فلا تترك الشعور بالذنب يسيطر. عوّض بما تقدر، ولو جزءًا بسيطًا. العوض الفوري يمنع الانقطاع، ويغذّي النفس بالرضا. لا تؤجّل التعويض لليوم التالي إلا إذا كانت لك إرادة فولاذية.
11. احذر وهم الإعادة التامة:
التكرار الكامل عند كل نسيان أو تقصير قد يُتعب النفس ويزرع فيها الإحباط، فخفّف على نفسك ولا تكن أسيرًا لفكرة الإتقان المطلق.
12. عامِل أهدافك كواجبات:
تعامل مع عاداتك كما تتعامل مع الفرائض، فهي مفروضة منك لنفسك، وهذا الشعور سيزيد من التزامك مع الوقت.
13. الوسع يُفهم بالتجربة لا بالتأمل فقط:
وسعك الحقيقي لا تُدركه بالنظريات، بل بخوض التجربة ومراكمة الفهم العملي عبر المواقف.
14. استعن بالوسائل الذكية:

اختر من يعينك على عاداتك، ولا ترتبط بشخص يُنفّرك. لا تتعلم على يد معلمة متسلطة ولا على يد من لا تُلزمك بشيء. استخدم أدوات التنظيم مثل الفواصل في الكتب، وجدول متابعة ، وفترات الراحة. المهم: اختر وسائلك بما يتناسب مع طاقتك ونفسيتك.
15. أبعد المشتتات قدر المستطاع:
أكبر مشتت للإنجاز اليوم هو الهاتف الذكي، فقلل استخدامه ما استطعت، وخلق بيئة عمل هادئة.
16. لا تُكثر من العادات دفعة واحدة:
ابدأ بعادة أو عادتين، ولا تُحمّل نفسك ما لا تطيق. التدرج حكمة، والاتزان مفتاح.
ومضة إيمانية:
“المؤمن يبلغ بنيّته ما لا يبلغه بعمله.”
فاجعل همّك رضا الله، ولا تحصر دينك في عادة واحدة، فميزانك عند الله أوسع وأعظم من أن يُقاس بإنجاز مؤقت…”
ربّ عبدٍ لم يبلغ بعاداته الكبرى، لكن الله بلّغه بنيّته الصافية، وهمّته الطيبة.
🏁 الختام: تذكّر دائمًا…
• القليل مع الثبات يربّي نفسًا قوية.
• لا تستصغر خيرًا، فربما كان طريقك إلى الجنة.
• لا تستكثر الشر، فربما كان بداية الانحدار.
• التدرج، لا القفز؛ هو مفتاح بناء عادات الخير.
مقال مقتبس من محاضرة قيمة
للاستاذ أنس شيخ اكريّم في اكاديمية هندسة الأجيال
اترك تعليقاً