الخيانة الزوجية

المقدمة:

تُعد الخيانة الزوجية من أبرز المشكلات التي تهدد استقرار الحياة الأسرية وتضع العلاقة بين الزوجين أمام تحديات كبيرة. ولا يقتصر أثرها على الزوجين فقط، بل يمتد ليشمل الأبناء والمجتمع بأسره، حيث تخلّف آثارًا نفسية واجتماعية وعاطفية خطيرة. ورغم اختلاف الثقافات، فإن هذه الظاهرة تترك نتائج سلبية متشابهة في المجتمعات العربية والغربية على حد سواء.”

الخيانة الزوجية :هي انتهاك للعهد والميثاق بين الزوجين، وتتمثل في إقامة علاقة عاطفية أو جنسية أو حتى عاطفة خفية مع طرف آخر خارج إطار الزواج. وقد تكون الخيانة فعلية، أو إلكترونية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو عاطفية يشارك فيها الزوج أو الزوجة مشاعرهما مع شخص آخر.

الخيانة الزوجية لا تقتصر على شكل واحد، بل تتعدد صورها تبعًا لطبيعة العلاقة والدوافع وراءها:

• الخيانة العاطفية: وتعني ارتباط أحد الزوجين بشخص آخر عاطفيًا، وتبادل مشاعر الحب والاهتمام التي يفتقدها مع شريكه.

• الخيانة الجسدية: وهي إقامة علاقة جنسية مع طرف آخر، وتُعتبر أخطر الأنواع وأكثرها هدمًا للثقة بين الزوجين.

• الخيانة الإلكترونية: ومع تطور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل الدخول في علاقات افتراضية قد تبدأ بإعجابات وتعليقات، ثم تتطور إلى رسائل خاصة، وصولًا لعلاقة عاطفية أو جسدية.

• الخيانة الفكرية أو بالمشاعر: وهي تعلق عاطفي أو فكري بشخص خارج إطار العلاقة الزوجية، حتى وإن لم يحدث أي تواصل مباشر.

رغم أنه لا يوجد أي مبرر مقبول للخيانة، إلا أن هناك عدة دوافع قد تقف وراءها، ومنها:

• ضعف التواصل بين الزوجين: غياب لغة الحوار وافتقاد التفاهم يجعل أحد الأطراف يبحث عمّن ينصت له ويفهمه خارج إطار العلاقة.

• الروتين ورتابة الحياة: انغماس الزوجين في نمط حياة متكرر يؤدي إلى شعور بالملل ، وفقدان الحماس في العلاقة ، والفراغ العاطفي.

• الاحتياجات العاطفية والجنسية: عدم إشباع هذه الاحتياجات داخل العلاقة قد يدفع البعض للبحث عن بديل خارجها.

• أسباب شخصية: مثل الرغبة في خوض تجارب جديدة، أو الأنانية المفرطة، أو ضعف الوازع الديني والأخلاقي.

• الضغوط النفسية والاجتماعية: كضغوط العمل أو ضعف الإمكانيات المادية، مما يولّد شعورًا بعدم الاستقرار الأسري.

• السيطرة والتحكم الزائد: حين يفرض أحد الطرفين سطوته بشكل خانق، قد يبحث الآخر عن متنفس خارج العلاقة.

الخيانة تأثيرها لا يقف على حياة الزوجين فقط ، و إنما يمتد ليشمل الأسرة بجميع افرادها و المجتمع على الصعيد الآتي:

الخيانة تضعف الثقة التي تعتبر أساس العلاقة الزوجية، مما ينتج عن ذلك الشك و الغيرة المفرطة، و تبلد المشاعر، و الاحساس بالغضب وألم الخذلان، 

و صعوبة في التواصل والتفاهم والذي يظهر في زيادة حدة الخلافات المتكررة، وهناك بعض العلاقات تستمر حياتهم شكلياً ولكنهم مطلقين عاطفياً ( يعيشون تحت سقف واحد ولكن دون مشاعر حب وحنان واهتمام ).

الأبناء يتأثرون بشكل مباشر بالتوتر أو الانفصال بين الوالدين، مما ينعكس في صورة مشكلات متعددة تعيق حياتهم وتؤثر سلبًا على نموهم. ومن أبرز هذه المشكلات:

مشكلات اجتماعية:

مثل العزلة والانسحاب من المحيط الأسري أو المدرسي، مما يولّد لديهم شعورًا بفقدان الأمان والحماية.

مشكلات سلوكية:

تظهر في شكل عدوانية وعنف (لفظي أو جسدي كالضرب والشتم)، تعبيرًا عن غضب داخلي لا يعرفون سببه. كما قد يظهر العناد في رفض الأوامر أوتنفيذها، إضافة إلى الاندفاعية أوالخمول وقلة النشاط.

مشكلات نفسية:

مثل القلق، التوتر، الخوف المستمر من انفصال الوالدين أوتشتتهم بينهما، والشعور بعدم الاستقرار. هذه المشاعر قد تتطور أحيانًا إلى إصابة بالاكتئاب.

مشكلات نفسجسمية:

في بعض الحالات يتأثر نظام النوم فيحدث اضطراب، أو تظهر أعراض جسدية مثل الصداع وآلام البطن، نتيجة القلق والتوتر المستمرين.

المشكلات الدراسية إذ قد ينعكس التوتر الأسري وفقدان الشعور بالاستقرار على الجانب الأكاديمي، فيؤدي إلى ضعف التركيز وتدني التحصيل الدراسي، إضافة إلى فقدان الدافعية نحو التعلم.

زيادة حالات الخيانة بين الأزواج تؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع، مما يسبب تفككًا أسريًا ينعكس أثره على الأفراد والمجتمع ككل. ومن نتائج ذلك انتشار سلوكيات سلبية مثل انعدام الثقة وضعف الروابط الاجتماعية، إضافة إلى وجود أطفال غير أسوياء نفسياً أو سلوكياً. كما تؤثر الخيانة سلباً على القيم والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية، وتزيد من أعباء الدولة التي تضطر للتدخل في رعاية الأسر المفككة أو معالجة تبعات الجرائم الأسرية التي قد تنشأ عن ذلك مثل العنف أو القتل. 

لمواجهة الخيانة والوقاية منها تفاديًا لحدوثها، يجب اتباع النقاط التالية:

• تحسين التواصل الفعّال بين الزوجين وذلك عن طريق فتح حوار بنّاء، والإنصات الإيجابي من أجل الفهم وليس النقد أو الرد.

• الاهتمام بإشباع الحاجات النفسية والجسدية (الجنسية) من خلال الكلمات اللطيفة، والشكر والتقدير، والاحترام، والحنان، والمودة والرحمة بينهم. كذلك معرفة لغة الحب لكل طرف له تأثير كبير في بناء العلاقة وتقويتها. كما أن الاهتمام بالحميمية ومعرفة ما يحتاج إليه الآخر قدر الإمكان يُعدّ أمرًا مهمًا.

• التجديد وكسر الروتين في العلاقة، لأن رتابة الحياة تؤدي للشعور بالملل. لذلك، التجديد في شكل الحياة وطريقتها يعزز نجاح العلاقة الزوجية. وعلى الزوجين البحث عن نشاطات وبرامج مشتركة يقومان بها سويًا مثل: مشاهدة مباراة، أو فيلم، أو ممارسة رياضة، أو السفر، أو الخروج لمشوار، أو مناقشة موضوعات تهم كليهما.

• إظهار الاحترام والتقدير للطرف الآخر، فإحساس كل طرف بقيمته واحترامه يضعف البحث عن ذلك الاهتمام خارج العلاقة، ويشعره بوجوده وكينونته.

• تقوية الوازع الديني والأخلاقي والاجتماعي، فالتمسك بهذه الجوانب بمثابة سياج يحمي العلاقة من الانحراف والانجراف الأخلاقي.

• نشر الوعي بين الأزواج حول مخاطر الخيانة والمشكلات التي تعقبها وتأثيرها على الأسرة والأبناء والمجتمع.

• طلب المساعدة عند الحاجة، من خلال التوجه لمختصين في الإرشاد الأسري والزواجي والنفسي عند تفاقم المشكلات وصعوبة حلها بين الزوجين.

الخاتمة

في الختام، يمكن القول إن مشكلة الخيانة الزوجية لا تنتهي بالحديث عنها فقط، فهي ليست قدراً مكتوباً، وإنما نتيجة لتراكمات مثل ضعف التواصل، الإهمال، عدم الاهتمام، تجاهل احتياجات كل طرف، وأحياناً الصمت العقابي المؤذي.

والوقاية منها تبدأ من الزوجين عبر الحوار الصريح، التفاهم، الاحتواء، ومعرفة كل طرف لدوره والقيام به على أكمل وجه. كذلك، إدراك أن العلاقة الزوجية مسؤولية مشتركة، والوعي بمخاطر الخيانة والتعامل معها بحكمة، كلها أمور تساهم في حماية الأسرة والأبناء والمجتمع من آثارها السلبية والمدمرة.

“فالوقاية خير من العلاج، والحفاظ على رابط الزواج المقدس ليس بالأمر السهل، لكنه أيضا ليس بالمستحيل. لذلك فاتباع الأساليب السليمة منذ البداية يُجنِّب الزوجين الوصول إلى مرحلة الندم،

حيث لا ينفع الندم.”

المراجع:

1.أمل المخزومي، الخيانة الزوجية: أسبابها، آثارها، ظروفها وضحاياها. دار المنهل، 2017

2. عبد القادر دهمان، الخيانة صورها وأحكامها وآثارها في ضوء الكتاب والسنة

3. افاق للعلوم & ضبع مريم، الخيانة الزوجية وأثرها على استقرار الأسرة والمجتمع (بحث / مطبوعة)

• Shirley P. Glass & Jean Coppock Staeheli، Not “Just Friends: Rebuilding Trust and Recovering Your Sanity After Infidelity (كتاب إنجليزي مشهور عن الخيانة

• ChatGPT 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *