قد يبدو التفكير المفرط أشبه بحلقة لا تنتهي من الشك والقلق والإرهاق الذهني. مع أن التفكير في المواقف أمر طبيعي، إلا أن التحليل المتواصل لكل تفصيل قد يُرهقك عاطفيًا. لحسن الحظ، يُمكن أن يُساعدك بناء عادات بسيطة في روتينك اليومي على كسر هذه الحلقة. هذه العادات، عند ممارستها بانتظام، تُعيد إليك صفاء ذهنك، وتُحسّن صحتك النفسية، وتُتيح لك مساحةً لأفكار أكثر إنتاجية.
1-ابدأ يومك بالنية وليس بالهاتف
يلجأ الكثيرون إلى هواتفهم فور استيقاظهم، مُعرِّضين أنفسهم مباشرةً للرسائل والأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي. قد تُغرق هذه العادة عقلك دون قصد بالمحفزات، مما يُغذّي التفكير المُفرط حتى قبل بدء اليوم. بدلًا من ذلك، فكّر في بدء صباحك بروتين مُهدِّئ – مثل التنفس العميق، أو كتابة اليوميات، أو المشي لمسافات قصيرة .
تمنح الصباحات الواعية عقلك فرصةً للتدفئة تدريجيًا وتوفير مساحةٍ لوضع النوايا. ووفقًا لدراسة لرويمر وويليستون ورولينز (2015)، فإن ممارسة اليقظة الذهنية ترتبط بتحسين التنظيم العاطفي، بما في ذلك تقليل التفكير المُرهق. إن تخصيص خمس دقائق فقط في الصباح للتواصل مع الذات يمكن أن يُساعد في تقليل الرغبة في الدخول في دوامة أفكار لا داعي لها.
2-إنشاء فترات راحة قصيرة طوال اليوم
يميل المُفرطون في التفكير إلى الانشغال بأفكارهم، حتى أثناء العمل أو إنجاز المهام اليومية. إحدى الاستراتيجيات الفعّالة لمواجهة هذا هي جدولة فترات راحة قصيرة خلال اليوم. تساعد هذه الفترات القصيرة والمُتعمدة على إعادة ضبط عقلك، سواءً بالخروج لاستنشاق الهواء النقي، أو القيام ببعض تمارين التمدد، أو ببساطة إغلاق عينيك والتركيز على أنفاسك لمدة دقيقة.
تساعد هذه الاستراحات القصيرة على تغيير الأنماط الذهنية غير المنتجة، وتعيد تركيزك إلى اللحظة الحالية. أظهرت دراسة أجريت (2014) أن الاستراحات القصيرة تُحسّن الصحة النفسية والتفاعل في العمل، خاصةً عند ممارستها بانتظام. مع مرور الوقت، تُدرّب هذه الاستراحات عقلك على الاستجابة بوعي بدلًا من الإفراط في التحليل.
3-حدد حدًا زمنيًا يوميًا للقلق
قد يبدو الأمر غير منطقي، لكن السماح لنفسك بالقلق – ضمن فترة زمنية محددة – يمكن أن يساعد في الحد من التفكير المفرط. تتضمن هذه التقنية، التي تُستخدم غالبًا في العلاج السلوكي المعرفي، تخصيص 15 إلى 30 دقيقة يوميًا كـ”وقت مخصص للقلق”. خلال هذه الفترة، يمكنك تدوين مخاوفك أو التحدث عنها، ولكن بمجرد انتهاء الوقت، ستُحوّل انتباهك إلى شيء آخر.
يساعد هذا النهج المنظم على منع امتداد القلق إلى بقية يومك. ووفقًا لبوركوفيك وآخرين (1983)، فإن جلسات القلق المجدولة يمكن أن تقلل من وتيرة ومدة الأفكار المتعلقة بالقلق. باحتواء مخاوفك ضمن إطار زمني محدد، يبدأ عقلك بإدراك أن هناك وقتًا ومكانًا للإفراط في التفكير، ولكن ليس طوال اليوم.
4-الحد من إرهاق اتخاذ القرار من خلال الروتينات الصغيرة
اتخاذ القرارات اليومية – مثل ما أرتدي، ما أتناول، ما هي المهمة التالية – قد يستنزف مواردك المعرفية، خاصةً إذا كنتَ عرضة للإفراط في التفكير. اتباع روتينات بسيطة يُساعد على الحد من إرهاق اتخاذ القرارات، ويُتيح مساحة ذهنية لما هو مهم حقًا.
حاول تناول وجبات إفطار متشابهة خلال أيام الأسبوع، أو تحديد وقت ثابت لتصفح بريدك الإلكتروني، أو الالتزام بموعد نوم منتظم. يُتيح لك الروتين إمكانية التنبؤ ويُقلل العبء الذهني اللازم لاتخاذ القرارات البسيطة. هذا يُقلل من مساحة الأفكار المُشتتة ويُساعد على تحديد إيقاع ثابت ليومك.
5-استخدم الحركة لمقاطعة دوامة الأفكار
النشاط البدني من أكثر الوسائل فعالية لكبح جماح الأفكار المتسارعة. سواءً كان مشيًا سريعًا، أو يوغا، أو رقصًا، أو تمددًا، فإن الحركة تُساعدك على ترسيخ جسمك وتُشتت ذهنك عن الثرثرة الداخلية المتكررة.
كما أن الحركة المنتظمة تُحفّز إفراز الإندورفين وتُحسّن المزاج. ووفقًا لميكلسن وآخرون (2017)، فإنّ للتمارين الرياضية تأثيرًا كبيرًا على الصحة النفسية من خلال تقليل أعراض الاكتئاب والقلق. في المرة القادمة التي تجد نفسك فيها غارقًا في التحليلات المفرطة، حاول تحريك جسمك – حتى المشي القصير يُمكن أن يُساعد في تحسين حالتك النفسية.
6-استبدل الحكم على الذات بالفضول
من السمات الشائعة للتفكير المفرط الانشغال بنقد الذات اللاذع
– أفكار مثل “لماذا قلتُ ذلك؟”
أو “ما كان ينبغي لي أن أفعل ذلك”.
غالبًا ما يؤدي هذا السرد الداخلي إلى اجترار الأفكار. إحدى العادات الصغيرة، لكنها قوية، هي استبدال الحكم بالفضول.
بدلًا من أن تسأل نفسك: “ما الذي يُصيبني؟”
حاول أن تسأل نفسك: “ما الذي يُشعرني بهذا الشعور؟”
هذا التغيير البسيط يُشجعك على التأمل بدلًا من النقد، ويساعدك على فهم أنماطك العاطفية بموضوعية أكبر. مع مرور الوقت، يُعزز التعاطف مع الذات ويُقلل من نوبات الغضب النفسي.
إذا استمرت هذه الأفكار وأثرت بشكل كبير على أدائك، فإن طلب الدعم المهني – مثل الاستشارة والارشاد النفسي- يمكن أن يوفر لك رؤية وتوجيهًا أعمق.
7-أنهي يومك بتفريغ عقلك
كما تُهيئ الصباحات مسار يومك، تُساعد الأمسيات على تهدئة عقلك لراحة أفضل. من الممارسات المفيدة تفريغ ذهنك قبل النوم، أي تدوين كل ما يدور في ذهنك. قد يشمل ذلك المهام، أو المخاوف، أو الأفكار المتشتتة. إخراجها من رأسك ووضعها على الورق يُتيح لعقلك فرصةً للتحرر، مما يُقلل من التفكير المُفرط ليلاً.
اعرف متى تطلب المساعدة
مع أن العادات اليومية قد تُحدث تغييرًا جذريًا، إلا أنها ليست علاجًا شاملًا. قد ينشأ التفكير المفرط المزمن من قلق أو صدمة نفسية أو اكتئاب لم يُعالج. إذا كان التفكير المفرط يُعيق قدرتك على الاستمتاع بالحياة أو يؤثر على نومك أو إنتاجيتك أو علاقاتك، فإن التحدث مع معالج نفسي للاكتئاب أو القلق قد يكون خطوةً قيّمةً تالية.
يساعد العلاج المهني على كشف الأسباب الجذرية للتفكير المفرط، ويوفر أدوات مصممة خصيصًا لاحتياجاتك الخاصة. سواءً من خلال إعادة الهيكلة المعرفية، أو تدريب اليقظة الذهنية، أو تقنيات تنظيم المشاعر، يمكن للعلاج أن يوفر لك الدعم اللازم لاستعادة السيطرة على أفكارك.
خاتمة
يمكن للأفعال الصغيرة والمتسقة أن تُحدث فرقًا كبيرًا في ترويض ميل العقل إلى الإفراط في التحليل. بدمج هذه العادات اليومية والتعامل بلطف مع نفسك، تُهيئ مساحةً للوضوح والسلام الداخلي والعيش بوعي.
اترك تعليقاً