عندما يصبح الغضب عدوك الذي يسكن فيك

💠 حين يفيض الغضب…وتشتاق الروح للهدوء

يا من تهفو لتغييرٍ يُرضي الله، ويهذّب الروح، ويطمئن القلب..



هناك لحظة تمرّ على كل امرأة، تدرك فيها أن الغضب لم يُنقذ يومًا موقفًا، ولم يُربِّي طفلًا، ولم يُسعِد قلبًا. لحظة تقف فيها متعبة من الصراخ واللوم والندم، تسأل نفسها: أين الهدوء الذي وعدني به الله؟ وكيف أصل إليه؟
تغضبين… فتتكسر الكلمات على لسانك، وتُطفأ الابتسامة من وجوه أطفالكِ،وتجرحين من حولك وتصبحين غريبة حتى عن نفسك. ورغم كل الكتب التي قرأتِها، والدورات التي حضرتِها، يظل الغضب كضيفٍ ثقيلٍ يقتحم عليكِ المواقف دون استئذان.
فما السرّ؟
ولِمَ نظل نكرر نفس الخطأ، رغم أننا نعرف الصواب؟
لأن المشكلة لا تكمن في المعرفة، بل في التزكية…
لا في كمّ الخطوات، بل في صدق العزم، وتحرير القلب من قيوده القديمة، ووضع النية الخالصة للتغيير ثم الالتزام بعد ذلك حتى يصبح عادة لاتحتاج الى جهد..
تعرفي من خلال هذا المقال على ماهية الغضب مسبباته واساليت التخلص منه

لماذا نغضب؟


قد نتساءل لماذا نغضب ..الغضب استجابة إنسانية طبيعية، لكنه حين يصبح متكرراً، سريع الاشتعال، خارج السيطرة، فهو إشارة إلى ألم داخلي لم يُفهم بعد قد يفسر على انه:
• ضغوط الحياة المتراكمة.
• خيبة الأمل في النفس أو في من حولنا.
• الشعور بالخذلان أو الفشل التربوي.
• تراكم الذكريات الجارحة والتجارب القاسية.
وكل هذا يكون التنفيس عنه بطرق مختلفة قد تحطمنا وتحطم من امامنا دون ان نشعر

كيف يبدو الغضب؟


عندما نغضب، يعمل دماغنا وكأنه يضغط على زر الطوارئ! أول من يستجيب لهذا الإنذار هو جزء صغير في الدماغ يُسمى اللوزة الدماغية (Amygdala)، وهو المسؤول عن المشاعر القوية مثل الخوف والغضب. بمجرد أن تستشعر خطرًا أو استفزازًا، تُرسل إشارات عاجلة إلى الجسم كله، دون أن تستأذن من العقل المفكّر، وهو جزء في مقدمة الدماغ يُدعى القشرة الجبهية (Prefrontal Cortex)، والمسؤول عن اتخاذ القرارات الهادئة والمنطقية.
تخيل أن القائد الحكيم (القشرة الجبهية) أُقصي جانبًا، وتولّى الغاضب المتهوّر (اللوزة) القيادة فجأة!
وهنا يُفرَز هرمون الأدرينالين والكورتيزول، فيبدأ القلب بالخفقان السريع، ويرتفع ضغط الدم، ويتسارع التنفس، وتتوتر العضلات، وتضيق النظرة، ويُصبح التركيز محصورًا على “الرد أو الهجوم”.
تمامًا كما لو أن الجسم قد تحوّل إلى سيارة رياضية انفلتت فراملها… سريعة، قوية، لكن بلا توجيه!
ومع تكرار هذا الغضب أو بقائه لفترة طويلة، يُصاب الجسد بالإرهاق، ويضعف جهاز المناعة، وتكثر مشاكل القلب، وقد يشعر الإنسان بالقلق أو الاكتئاب لاحقًا.
الغضب لحظة، لكن أثره قد يبقى طويلاً إن لم نُدره بحكمة.

اثاره:

. الغضب يستنزفك كالبطارية الفارغة
فكل مرة تغضب فيها، تُستنزف طاقتك النفسية والبدنية، وتشعر بعدها بالتعب والإنهاك.
🔹 هدوؤك يشحنك، وغضبك يستهلكك.


الغضب لا يُعلن نفسه فقط بالصراخ.
إنه يتسلل في نبرة صوت مرتفعة، في نظرات قاسية، في كلمات مؤذية، في ندمٍ يلاحقنا بعد كل موقف.
الغضب أحيانًا يتخفى في الصمت البارد، أو في مشاعر الاحتراق الداخلي التي لا تُقال وقد يتجسد من خلال امراض جسدية .
ماذا يفعل الغضب بنا وبمن نُحب؟
• يسرق أعمارنا في حسرات.
• يقتل البركة في بيوتنا.
• يُشعر أطفالنا بعدم الأمان العاطفي.
• يخرّب علاقتنا بأزواجنا.
• يُضعفنا نفسيًا، ويجعلنا نبعد عن انفسنا بعد كل انفجار وكأننا فقدنا السيطرة عليها.
تخيلي قلب طفلك، وهو يحاول أن يربط بين حبكِ له وبين صوتكِ حين تصرخين…
تخيلي نفسكِ، حين تبكين آخر الليل لأنك لم تكوني تلك الأم الهادئة التي كنتِ تتمنينها.
إن الغضب المنفلت لا يبقى حبيس القلب، بل يتسرّب إلى كل مفصل من مفاصل حياتنا الأسرية والمجتمعية، وقد رصدت العديد من الدراسات العربية هذا الأثر العميق

إحصائيات من قلب الواقع


📊 حين يتكلم الواقع بأرقامه، تتحدث الجراح…
• أكثر من 70٪ من حالات العنف الأسري في العالم العربي تعود إلى نوبات غضب غير مسيطر عليها بين أفراد الأسرة.
• نحو 60٪ من الأطفال الذين يشهدون شجارات متكررة داخل البيت يعانون لاحقًا من اضطرابات نفسية أو سلوكية.
• كشفت دراسات تربوية أن الغضب المزمن بين الوالدين ينعكس سلبًا على:
o التحصيل الدراسي للأطفال
o ثقتهم بأنفسهم
o نظرتهم لذواتهم في المستقبل
• في بعض الدول العربية، سُجِّل أن أكثر من 40٪ من حالات الطلاق كان سببها الأساسي الغضب والانفعال الحاد أثناء الخلافات الزوجية.
• الغضب المتكرر في الأمهات والآباء يرتبط بزيادة نسبة العقاب الجسدي والصراخ، مما يخلق بيئة أسرية غير آمنة نفسيًا.
🕯️ ليست هذه الأرقام مجرد إحصاءات… بل هي صرخات صامتة تحتاج إلى وعي، وحكمة، وتربية قلبية وروحية فهل انت الان رقم من هذه الأرقام فاذا كان جوابك نعم …توقفي لحظة واسالي نفسك :

فلِمَ لا اهدأ؟


ربما لأننا لم نتعلّم بعد كيف نكون حليمين دون أن نُظلم، وكيف نُعبّر عن شعورنا دون أن نؤذي، وكيف نواجه من أخطأ بحقنا دون أن ننفجر.
الهدوء ليس ضعفًا، بل هو قوّة السيطرة على النفس، على الكلمات، على ردود الفعل.
هو أن أُدير موقفي وأنا ممسكة بزمام ذاتي، لا أترك انفعالي يقودني، بل أختار أنا كيف أتكلم، ومتى أسكت، وما هو الأسلم لي في هذه اللحظة.
أحيانًا، نعرف الخطوات:
نُدرك أهمية التنفّس، والاستعاذة، والسكوت، وتأجيل الرد… لكننا لا نُطبق.
لماذا؟
لأننا لم نُغيّر القناعة في داخلنا بعد، لم نصدق أن الهدوء هو الخيار الأجمل، والأقوى، والأكثر كرامة.
ولأننا لم نحبّ أنفسنا كفاية لنحميها من الألم، ولم نحب من حولنا كفاية لنخاف على قلوبهم من جراح غضبنا.
يا من تتمنين أن تهدئي…
يا من تتألمين بعد كل انفجار، وتقولين: “ما كان يجب أن أصرخ…”
اعلمي أن التغيير يبدأ بلحظة صدق:
“أنا أستحق أن أكون هادئة. أستحق أن أكون أمًّا رفيقة، زوجة حليمة، نفسًا مطمئنة.”
وابدئي بخطوة… صغيرة، لكنها ثابتة.
راقبي انفعالك القادم، وتذكري:
الغضب شعور… لا سيدٌ يأمرنا.
ونحن نستطيع، بالنية الصادقة، والتدرّب، والاستعانة بالله، أن نكظمه، وننجو بهدوء.
قال تعالى:
﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾
فأيّ شرف أعظم من أن نكون من الكاظمين، ومن العافين، ومن المحسنين؟

ماذا افعل إذًا؟ كيف ابدأ التغيير بعد النية؟


🔸 من الناحية النفسية:
• راقبي نفسك في لحظات الغضب، ماذا يسبقها؟ ما الذي يؤججها؟يمكنك ان تستعيني بجدول اسبوعي ترصدين فيه تحركاتك وتتعرفين على ما يغضبك اكثر وماهي اكثر الأوقات التي تغضبين فيها وهذا سيساعدك جدا في المراحل القادمة
• دربي نفسك على مهارات الاستجابة لا الانفعال: العدّ للعشرة، العد العكسي او تغيير المكان، شرب ماء، تنفس عميق والاهم الاستغفار او الاستعاذة .
• اكتبي مشاعرك في لحظة الهدوء، وافهمي جذور الغضب: هل هو خوف؟ تعب؟ شعور بالعجز؟
• استعيني بتمارين ضبط الانفعالات، مثل تخيل المشهد بهدوء قبل الرد، وهنا ستعتمدين على الجدول الأول للاستعانة بأكثر ما يثير غضبك وتبحثين على الحلول وتتدربين عليها لتجدي بدائل لاساليب تنفيسك عن غضبك ومواجهتها .

•صدقك مع ذاتك وتصالحك معها والتعرف عليها اكثر من خلال مايتعبها ومحاولة ايجاد حلول لذلك هو مصدر قوة لك ,سيخفف الكثير من التوتر والانفعالات اللا ارادية التي تواجهينها في حياتك اليومية ,تحليك بالعزيمة على التغير سيساعدك في كل خطوة تخطينها نحو حياة هادئة ,قد تكون بعض الظروف او الصعوبات خارجة عن ارادتك ولكنها تعتبر توابل الحياة من ابتلاءات و عقبات قدتزيد وتنقص.. ولكن وعيك بها يجعلك تنفسين في المكان الصحيح والوقت المناسب مع التدريب طبعا على ذلك ,والامر ليس بسيطا كما يبدو ولكنه سيكون كذلك بعد مدة من الاجتهاد والعمل واعدك ان هذا سيصبح اسلوب حياة بعد ان كان مجرد حلم ….وتذكري تحكمك في غضبك كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو مصدر قوة لك وليس ابدا ضعفا .

همسة مني اليك

بعض الابتلاءات قد لا نجد لها حلولا الا الرضا والتعايش والصبر وفهمنا لهذا في حد ذاته هو نعمة نحمد الله عليها ونطلبها ونرجوا ثباتها
🔸 من الناحية التربوية:
• اجعلي البيت مساحة للتدريب لا للمثالية، فكلنا نخطئ، والمهم هو كيف نُصلح وتذكري ان تعاملي طفلك كما تحبين ان يعاملك زوجك مثلا فالخطىء وارد بالنسبة لك ولكنه وسيلة تعلم لطفلك.
• أعيدي تعريفكِ للنجاح التربوي: ليس في ضبط الطفل فقط، بل في ضبط النفس أمام الطفل و ان تكوني قدوته في ذلك.
• اجعلي الصمت حيلة ذكية حين تشعرين أنك ستنفجرين، ليس هروبًا، بل حفظًا للعلاقة ويمكنك اختيار الوقت المناسب للكلام في الموقف الذي ازعجك بطريقة اهدا لانك حينما ستكونين تتعاملين بوعي اكبر لا بردة فعل غير واعية .
🔸 من الناحية الدينية:

تذكير لما سبق:
• ابدئي بنية ان تكوني اهدا وان تجاهدي غضبك ارضاءا للمولى فهذا سيعينك على الاستعانة به والتفكر في رقابته سبحانه
• ذكري نفسك وتأملي كيف وصف الله عباده: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}
• اقتدي بنبيك ﷺ، الذي قيل له: “أوصني”، قال: لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب.
إن الحِلم في الإسلام ليس فقط خصلة… بل عبادة وتزكية نفس.
والتحكم في النفس ليس رفاهية… بل مفتاح للجنة.

والدعاء هو مفتاح هذا وذاك..

ثمار الهدوء على النفس والعلاقات


“حين تهدئين، لا تهمدين فقط نار الغضب، بل توقدين شموع الطمأنينة في قلبك وقلب من حولك.”
🔸 أولاً: على مستوى النفس
• شعور بالرضا الداخلي والسكينة.
• تقوية التحكم الذاتي وزيادة الثقة بالنفس.
• تقليل التوتر والقلق وتحسين جودة النوم.
• سلام داخلي ينعكس على كل مناحي الحياة بفضل تقبل الذات والحوار مع النفس والتعبير عن المشاعر .
• الشعور بالقوة النابعة من الحكمة لا من الانفعال لان الغضب مجرد ضعف يتجسد بعنف .
🔸 ثانيًا: على مستوى الأسرة والعلاقاتهم
• غرس الأمان العاطفي في قلوب الأطفال وزيادة ثقتهم فيك .
• تحسين لغة التواصل بين أفراد الأسرة.
• بناء روابط صحية تقوم على التفاهم لا التوتر على المدى القصير والبعيد.
• تعزيز احترام الزوج/الزوجة وتقدير الطرف الآخر.
• يصبح البيت مأوى للسكينة لا مسرحًا للانفعالات.
🔸 ثالثًا: على المدى البعيد
• توريث الهدوء كقيمة حياتية للأبناء .
• تقليل فرص المشاكل النفسية أو السلوكية داخل الأسرة وخاصة على الأبناء وكل خطوة تخطينها نحو الهدوء تختزل عليك اشواطا مع اطفالك في سن البلوغ في علاقتكم وفي نفسيتهم وفي حواركم عموما.
• اتساع دائرة التأثير الإيجابي للأم الهادئة على محيطها: الجيران، الأقارب، المجتمع.

بعد كل ما قرات هل يمكن أن أهدأ؟


نعم. ولكن ليس بالكبت، ولا بالقرارات اللحظية.
بل بفهم أعمق لذاتك، وبخطة رحيمة تمشي فيها بخطوة… وخطوة.
ابدئي من اليوم، لا لتصيري مثالية، بل لتقتربي من السكينة.
تعلّمي أن تتعرفي على مشاعرك مبكرًا.
أن تقولي: “أنا غاضبة الآن، سأبتعد لأهدأ.”
أن تكتبي، أن تتنفسّي، أن تصلي، أن تبكي، أن تدعي:
“اللهم اجعلني ممن كظم غيظه “
فليس هناك انتصار أجمل من أن تَملكي نفسك عند الغضب،
ولا بطولة أحنّ من أن تكوني هادئة رغم أنكِ تستطيعين الصراخ.
استريحي…
ثم ابدئي الرحلة من جديد.
رحلة “الهدوء لا الغضب”،
رحلة “الكاظمين الغيظ”رحلة أمٍ تُرَبِّي أمة…
فالهدوء ممكن، والسلام ممكن، والتغيير يبدأ منكِ، ويعود إليكِ، ويثمر في كل من تحبين فبهدوئك ستزهرين ويزهر كل ما حولك …

كيف يهزمني عدوي اذا كنت انا المتحكم فيه ؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *