اولاً / رحلة في عمق النفس
النفس هي أكتر جزء جوانا فيه حيرة…
مش زي الجسد، نقدر نعرف إحنا تعبانين ولا لأ، ولا زي الروح، اللي بنحس بنورها أو بثقلها وقت البُعد،
النفس ساحة مليانة مشاعر، أفكار، رغبات، وتناقضات… وكل يوم جوانا حرب، من غير ما حد يشوفها.
هي مرآة صادقة للي جوانا، تعكس صراعاتنا، نوايانا، وأحيانًا جراحنا اللي مخبينها عن الكل، وفهم النفس مش دايمًا سهل، لأنها دايمًا بين مدّ وجزر، بين رغبة وضمير، وبين هوى ووعي.
النفس مش مجرد مشاعر أو رغبات لحظية، دي الكيان اللي بيتشكل مع كل تجربة بنعدي بيها، وكل قرار بناخده، وكل لحظة بنختار فيها بين اللي نرتاح له واللي نعرف إنه صح ، أحيانًا بتكون النفس هادية وساكنة، وأحيانًا تِضيع وسط الزحمة والصراعات، بس في كل الأحوال هي مرآة حقيقية لداخلنا ، فيها بيتخزن الألم، وفيها بنحس بالذنب، وبنفرح بالرضا، وبنطمع في اللي مش لينا.
هي أقرب شاهد على الإنسان، لأنها بتكشفه لنفسه قبل ما تكشفه للناس. علشان كده تهذيب النفس مش رفاهية، ده سعي يومي علشان نكون في سلام داخلي، ونقدر نواجه الحياة بصدق وثبات.
ثانياً /أنواع النفس (مراحل في رحلتك )
في القرآن الكريم، تحدث الله تعالى عن النفس البشرية، وكشف لنا جوانبها المختلفة، وبيَّن أنها ليست حالة واحدة، بل تمرّ بأنواع ودرجات، تتقلب بينها بحسب الإيمان، والتقوى، والصراع الداخلي.
وقد ورد ذكر **ثلاثة أنواع من النفس** في القرآن الكريم:
1. النفس الأمّارة بالسوء
النفس اللي بتميل للهوى، للكسل، للغضب،الشر ، للشهوة…
بتدفعنا نتصرف بدون تفكير، وبتحب تبرّر كل حاجة حتى الغلط ، وتدفع صاحبها إلى المعصية .
2. النفس اللوّامة
ودي النفس اللي بدأت تصحى… تلوم وتحاسب نفسها بعد الغلط، وتفكّر قبل القرار، وتُراجع أفعالها ، وتندم على التقصير.
مش مثالية، لكنها واعية وبتحاول تجتهد وبتسأل: “ليه عملت كده؟“
3. النفس المطمئنة
هي النفس اللي وصلت لسلام حقيقي…
مش خالية من الهموم، لكن راضية، متزنة، ومرتبطة بالله أكتر من الدنيا ، أي أنها هي النفس التي سكنت بطاعة الله ورضيت بقضائه، فصارت آمنة مطمئنة.
****ومن أبلغ القصص التي جسّدت هذه الأنواع الثلاثة بكل وضوح، هي **قصة سيدنا يوسف عليه السلام**، التي جمع الله فيها بين فتنة الشهوة، والظلم، والابتلاء، والانتصار على النفس.
** ظهرت **النفس الأمّارة بالسوء** في قول امرأة العزيز:
*”وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي”* (يوسف: 53)
اعتراف منها بأن النفس قد تدفع صاحبها للخطأ، خاصة عند غياب الرقابة الإلهية أو ضعف الإيمان.
** وظهرت **النفس اللوّامة** في حال إخوة يوسف، بعد أن ألقوه في الجب، ثم راجعوا أنفسهم، وندموا على ما فعلوه، وقالوا لاحقًا لأبيهم:
*”قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين”* (يوسف: 97)
فقد لامتهم أنفسهم، فاعترفوا بخطئهم، وطلبوا المغفرة.
** أما **النفس المطمئنة**، فتجلّت في موقف يوسف عليه السلام نفسه، حين اختار السجن على المعصية، ورضي بقدر الله، وصبر على البلاء، وقال:
*”رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه”* (يوسف: 33)
ثم بعد سنين من الظلم، خرج ثابت النفس، راضيًا، حليمًا، عافى عن إخوته، ولم ينتقم، بل قال : *”لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم”* (يوسف: 92)
قصة يوسف عليه السلام ليست فقط قصة نبي ابتُلي وثبت، بل هي مرآة تعكس لنا كيف يمكن للنفس أن تسقط، وتنهض، وتتهذب، حتى تبلغ الطمأنينة.
*** نظرة علم النفس إلى النفس البشرية وارتباطها بالقرآن الكريم
في علم النفس الحديث، تُعتبر النفس البشرية (أو “الذات”) نظامًا معقدًا يتكوّن من عدة جوانب متداخلة، منها: **الرغبات، الوعي، الضمير، والسلوك**. وقد تناول علماء مثل **فرويد** النفس من خلال تقسيمها إلى ثلاثة مكونات:
1 – الهو (Id) : يمثل الرغبات البدائية والغرائز (مثل الشهوة، الغضب، اللذة)، ويشبه إلى حد كبير **النفس الأمّارة بالسوء**، التي تميل إلى اتباع الهوى دون مراعاة للعواقب أو القيم.
2- الأنا (Ego) : تمثل الذات الواعية التي تحاول الموازنة بين الرغبات والمعايير الأخلاقية، وتشبه **النفس اللوّامة** التي تُراجع أفعالها وتحاسب نفسها وتُحاول اتخاذ قرارات أكثر وعيًا.
3- الأنا الأعلى (Superego) : وهي الجزء الأخلاقي والروحي من النفس، الذي يطمح للكمال، ويتقاطع مع صفات **النفس المطمئنة** التي بلغت السكينة والرضا، وسكنت لطاعة الله والارتباط بالقيم العليا.
وبهذا يظهر أن **علم النفس لا يناقض التصور القرآني للنفس، بل يُكمله من زاوية تحليلية**. كما يؤكد العلم أن النفس تمر بمراحل تطور، وتخضع لصراعات داخلية بين الغرائز والضمير، وهو ما ينعكس بوضوح في قصة يوسف عليه السلام التي تم الإستعانة بها كمثال واقعي ، التي تُقدّم نموذجًا حيًا لتحوّلات النفس، من الميل للخطأ، إلى التوبة، ثم إلى السلام الداخلي.
علم النفس السلوكي والمعرفي أيضًا يشير إلى أن الإنسان قادر على **تغيير سلوكياته وأفكاره تدريجيًا** من خلال التدريب والمجاهدة، وهو ما يتفق مع الرؤية القرآنية التي تدعو الإنسان إلى مجاهدة نفسه، ومحاسبتها، حتى يبلغ الطمأنينة.
*** وإن أحببت، عزيزي القارئ، أن تتعمّق أكثر في **نظريات علم النفس**، وخاصة ما قدمه فرويد عن النفس البشرية، فأرشّح لك كتابه الشهير:
- “الأنا والهو” (The Ego and the Id)**، الذي يتناول فيه النفس من خلال ثلاثة مكونات: **الهو، والأنا، والأنا الأعلى**، ويشرح كيف تتصارع هذه الأجزاء داخل الإنسان وتؤثر على سلوكه وقراراته.
- أما إن كنت تودّ التعمّق في النفس البشرية من زاوية **روحانية وتربوية**، وبشكل واقعي تمثله قصة نبي كريم، فأدعوك لمتابعة **برنامج “نفوس”** للدعاية مصطفي حسني ، الذي يُحلّل قصة سيدنا يوسف عليه السلام من منظور نفسي وروحي، ويقدّم فهمًا عميقًا ومبسطًا لمراحل تطور النفس كما وردت في القرآن.
- وبالطبع، إن كنت تبحث عن مثال آخر واقعي أو قصة مشابهة تُجسّد صراع النفس، فهناك العديد من النماذج من التاريخ أو حتى في حياتنا اليومية فيمكنك أن قرأ سيرتها الذاتية ومنها ( عمر بن الخطاب رضي الله عنه – الحسن البصري – الأمام الغزالي – فرعون كمثال للنفس الطاغية – نيلسون مانديلا –ديستوفسكي (الأديب الروسي) – غاندي وغيرهم من الشخصيات التاريخية ….)
ثالثاً /صراعات النفس بين الرغبات والضمير
تمرّ النفس البشرية بصراعات داخلية دائمة بين **رغباتها وشهواتها** من جهة، وبين **صوت الضمير والوعي الأخلاقي** من جهة أخرى.
وهذا الصراع هو ما يُشكّل ميدان التهذيب والتزكية. فليست المشكلة في وجود الرغبة، ولكن في مدى انضباطها واحتكامها لصوت الضمير.
**الضمير**
هنا ليس مجرد شعور لحظي، بل هو المحور الأساسي لضبط النفس، والمقياس الذي تزن به أفعالها، والدليل الذي يرشدها إلى الصواب ، فمتى كان الضمير حيًّا، صار الحارس الأمين للنفس، يُوقظها عند الزلل، ويمنعها من الانجراف خلف الهوى ، وحين يضعف الضمير، تفقد النفس بوصلتها، فتتبع رغباتها بلا رادع، فتقع في التخبّط والضياع.
** وبما أننا أتخذنا من قصة يوسف عليه السلام مثالا للنفوس البشرية فقد تجسّد هذا الصراع علي **إخوة يوسف** حين غلبهم الحسد في البداية، أسكتوا ضميرهم، لكنهم ما لبثوا أن رجعوا إلى أنفسهم، فلاموها واعترفوا بخطئهم.
** ونرى مثل هذا الصراع في حياتنا اليومية، حين يقف الإنسان بين خيارين:
مكسب سريع لكنه مشبوه، أو خسارة مادية مقابل راحة الضمير.
**الذين يستجيبون لنداء ضميرهم، ولو على حساب مصالحهم، هم من يربحون في النهاية، لأنهم حافظوا على نقاء أنفسهم.**
**إن الضمير الحيّ هو أعظم ما يُعين الإنسان على تزكية نفسه، وتجاوز صراعاتها، ليبلغ بها مرتبة النفس المطمئنة.**
رابعاً / النفس مصدر السلوك والمشاعر والتفكير
هناك حقيقة جوهرية في الإنسان أن **النفس البشرية** هي أصل كل ما يصدر من الإنسان، سواء كان فعلاً (سلوكاً) ، أو إحساساً (مشاعراً) ، أو تفكيراً (قناعة أو تفسيراً) ، كل هذه الجوانب لا تنشأ من الخارج، بل من الداخل – من النفس، فهي التي تشكّل الرؤية التي نرى بها العالم، وتحدد كيف نتفاعل معه.
- فـ **السلوك** مثلاً – سواء كان رد فعل، تصرف واعٍ، أو عادة مستمرة – نابع من مكونات النفس: من قيمك، تجاربك، مخاوفك، وطريقتك في فهم نفسك والناس. لما تتصرف بعنف أو هدوء، باندفاع أو حكمة، فده مش مجرد قرار لحظي… ده انعكاس لحالة نفسك وقتها.
- وكذلك **المشاعر**، ما هي إلا ترجمة حسية لما يجري داخل النفس. أنت لا تحزن لأن شيئًا ما حدث فقط، بل لأن نفسك فسّرت الحدث بطريقة معينة. شخص يرى الفشل فرصة، وآخر يراه نهاية – الفرق مش في الحدث، بل في نفس كل واحد منهم. النفس تصنع المشاعر، لأنها المسؤولة عن تقييم المواقف: أهي مهددة؟ محبطة؟ مطمئنة؟ وهذا التقييم هو اللي يولّد شعورك بالخوف أو الطمأنينة، بالحماس أو الإحباط.
- أما **التفكير**، فهو ابن مباشر للنفس. طريقة تفكيرك، تحليلك للأمور، نظرتك للحياة… كلها مش مجرد قدرات عقلية، بل هي نتيجة لمحتوى النفس. النفس القلقة تولّد أفكارًا مشوشة وسوداوية، والنفس المستقرة تولّد أفكارًا متزنة وواضحة. حتى قناعاتك وأسلوبك في اتخاذ القرار متأثرين بحالتك النفسية العميقة.
إليك عزيزي القارئ **تشبيه بسيط ** يربط بين النفس والسلوك والمشاعر والتفكير، يساعد على توضيح الفكرة بشكل بصري وسهل الفهم .
**تشبيه النفس بالسفينة:**
تخيل نفسك زي **سفينة في البحر**، وهدفك توصل لوجهة معيّنة (أهدافك في الحياة، راحتك، قراراتك…).
* **النفس** هي: **القبطان** اللي بيقود السفينة .
هي اللي بتقرر الاتجاه، السرعة، ومتى تهدى أو تندفع. ولو القبطان مرتبك أو مش شايف الطريق كويس، أكيد السفينة هتتخبط أو تضل الطريق.
* **التفكير** هو: **خريطة الملاحة**
القبطان (النفس) بيستخدم الخريطة علشان يفهم طريقه. لو الخريطة مش واضحة، أو القبطان مش بيعرف يقراها صح، هيتوه.
* **المشاعر** هي: **الرياح والأمواج** اللي بتأثر على حركة السفينة.
ساعات بتكون هادية (راحة، طمأنينة)، وساعات عاصفة (خوف، غضب). والنفس الواعية تعرف تتعامل مع الرياح دي من غير ما تغرق.
* **السلوك** هو: **التحركات الفعلية للسفينة** – تمشي، تتوقف، تلف…
وده ظاهر للناس، بس أصله دايمًا جاي من تحكم القبطان (النفس)، اللي بيقرر بناءً على الخريطة (التفكير) والجو المحيط (المشاعر).
✅ **االهدف أو المقصود من التشبيه:**
لو حبيت تعرف ليه سفينتك ماشية بطريقة معيّنة، وليه بتميل أو تتوقف أو تضيع… لازم تبص جوا القبطان – أي تعرف نفسك .
في النهاية، لما تعرف نفسك بصدق – من غير تزييف أو إنكار – هتبدأ تفهم ليه بتتصرف بالطريقة دي، ليه بتحس بالمشاعر دي، وليه بتفكر بالشكل ده. وساعتها،تقدر تتحكم في اتجاهاتك، وتعدّل أفكارك، وتستقر مشاعرك، ويتحسّن سلوكك وتستطيع أن تتحرر من التلقائية وردود الأفعال، وتبدأ تعيش بوعي واختيار.
خامساً / تقنيات لتهذيب النفس (كيف تهذب نفسك بدل ما هي تسيطر عليك؟ )
النفس ليست عدوًا، لكنها أمانة ، لو تُركت على حالها، سيطرت، وانطلقت وراء الهوى والعادة،
ولو هُذّبت وارتبطت بالحق، أصبحت حليفًا قويًا… يفتح لك أبواب الوعي، وينقلك من العشوائية إلى الاختيار.تهذيب النفس مش لحظة، ولا قرار مؤقت… هو **رحلة مستمرة** من الوعي، والمجاهدة، والتزكية .
✦ 1- الوعي: أول الطريق
الوعي هو إنك تراقب نفسك من بُعد… تشوف مشاعرك، أفكارك، وسلوكك **بدون تبرير أو تهرّب**.
* إمتى بتغضب أو تنفعل؟
* ليه بتتجنّب المواجهة أو بتدافع بتسرّع؟
* إزاي بتفكر وقت الخوف؟ وقت الكبرياء؟ وقت الفقد؟
**اللي تلاحظه، تقدر تصلّحه** ، واللي بتتهرب منه، هيفضل يكرّر نفسه (مالم تواجهه سيظل يلاحقك )
✦ 2- التفكير والمحاسبة: مراجعة الداخل بصدق
التفكير هنا مش مجرد تحليل، لكن أداة لفهم النفس:
ليه فكرت كده؟ إيه نيتك الحقيقية؟ إيه الدافع اللي وراك؟
ثم تجي **المحاسبة**: مش لتجلد نفسك، بل لتصحّح مسارك.
* كل ليلة، راجع: ” فين كنت صادق؟ فين خنت نفسك؟ فين كنت قادر تكون أرحم أو أهدى؟“
**الصدق مع النفس هو أساس التهذيب**، لأنه يعرّيك قدام نفسك… فتبنيها من جديد، على بصيرة.
✦3- ضبط العواطف: وعي قبل الانفعال
تهذيب النفس لا يعني كبت المشاعر، بل فهمها وإدارتها.
* لما تحس بالغضب، لاحظه… اسأل نفسك: إيه وراه؟ خوف؟ إحساس بالإهانة؟ رغبة في السيطرة؟
* لما تحس بالحزن، ما تهربش منه… لكن اتأمل مصدره، وافهم احتياجك الحقيقي.
**ضبط العواطف** يبدأ من الاعتراف بيها… ثم توجيهها بدل ما تتحكم فيك.
✦ 4- التدريب اليومي: مجاهدة النفس
النفس ما بتهتديش بالكلام، لكن بالفعل اليومي البسيط:
* تعويد على الصبر عند الاستفزاز.
* مقاومة التسرع في الكلام أو الحكم.
* تدريب على التواضع، حتى لو داخلك صوت بيميل للغرور.
* مراجعة نواياك قبل الفعل.
كل ده اسمه “مجاهدة”، وهي مفتاح التزكية.
✦ 5- الصبر على النفس: الرحلة مش سباق
ما تتوقعش إنك هتتحوّل لنفس مطمئنة في أسبوع ، كل خطوة، حتى لو رجعت بعدها، هي جزء من البناء.
* لما تغلط، سامح نفسك… لكن ما تبررش.
* لما تتقدم، اثبت… لكن ما تغترّ.
الرحلة دي فيها مطبّات… لكن **الاستمرار أهم من الكمال**.
✦ 6- الربط بالله لا بالمثالية
مقياسك مش إنك دايمًا تكون صح، بل إنك تكون **صادق في نيتك**، ومربوط بالله في سعيك.
* صراعك مع نفسك عبادة.
* ضعفك ما دام متوجّه لله، هو طريق للقوة.
* المحاولة الدائمة، حتى مع التعثر، هي التهذيب الحقيقي.
✦ 7- الصحبة الصالحة والبيئة النظيفة
النفس تتأثر بما حولها، فاختَر بعناية:
* ناس بيفكرّوك بالله مش بنفسك.
* بيئة تحفّز على الهدوء والتأمل، مش الضجيج وردود الأفعال ، البيئة تربة النفس… فاغرسها في مكان نظيف.
*** تهذيب النفس مش قهرها… بل فهمها، ومساعدتها تتحوّل من **ردود فعل غريزية** إلى **سلوك نابع من وعي وارتباط بالله**.
النفس لو ما تتهذّبتش، هتتحكم فيك ، ولو فهمتها واحتضنتها، هتبقى **أقوى حليف ليك**…تساعدك تعيش بتوازن، وتفتح لك أبواب الروح، وتنوّر طريقك في الحياة.
## ✦ **خاتمة: حيث يلتقي علم النفس بنور الإيمان**
علم النفس يعلّمنا كيف نراقب النفس، كيف نفهم دوافعها، نضبط انفعالاتها، ونتحرر من ردود الأفعال التلقائية ، لكنه يظل ناقصًا بدون البُعد الإيماني، لأن **النفس ليست فقط نظامًا سيكولوجيًا**… ، بل هي كيان عميق يبحث عن المعنى، عن السكينة، عن النور الذي لا يعطيه إلا الإيمان.
الدين، حين يُفهم بشكل حيّ، لا يُطالبنا بالكبت، بل **يوجهنا للتزكية** ، ولا يدعونا للمثالية المتكلّفة، بل **للصدق في المجاهدة**.
وهنا تتكامل الصورة:
* علم النفس يعطينا الأدوات، والدين يعطينا **الغاية والوجهة**.
والأجمل أن هذا التكامل مش نظري فقط… بل له شواهد حية في القرآن الكريم.
تأمّل مثلًا **امرأة العزيز**، تلك التي اتبعت شهوة النفس، وسعت خلف رغباتها، وراودت يوسف عليه السلام، ثم اتهمته ظلمًا… لكن بعد رحلة من الصراع والصدق، **تغيّرت نفسها**.
قالت بعد كل ما حدث: “الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين“(يوسف: 51)
ثم قالت قولًا عظيمًا يدل على **الاعتراف، والفهم، والتزكية**:
“وما أبرّئ نفسي، إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي” *(يوسف: 53)*
هنا، نرى لحظة نادرة من النضج النفسي والروحاني… امرأة لم تنكر، لم تبرر، بل **عرفت نفسها واعترفت بها**، وتوجّهت إلى رحمة الله كملجأ وحيد أمام ضعف النفس.
## ✅ **الخلاصة:**
في علم النفس نتعلّم أن **نراقب النفس**، وفي الدين نتعلّم أن **نزكّيها لله** ولن تتهذّب النفس بالكامل إلا حين يجتمع فيك: (الوعي بعلم النفس ) مع (الخضوع لنور الإيمان)
وقتها فقط…
تتحوّل النفس من “أمّارة بالسوء” إلى “مطمئنة“، وتصبح أنت… إنسانًا متوازنًا، حرًا، صادقًا مع نفسك، وقريبًا من الله.
**لكن الرحلة لم تكتمل بعد…**
فرحلة الإنسان لمعرفة الذات ليست محطة واحدة، بل محطات متتابعة،
فلننتقل معًا في المقال القادم إلى الأعمق… إلى الأصفى…
إلى **الروح**، حيث يسكن أنقى ما فيك.
اترك تعليقاً