ما بين الغضب والدمعة… لغةٌ لا تُقال بالكلام.

هل سبق لكِ أن سمعتِ طفلكِ وهو يشتم بكلمات لم تعتاديها في البيت؟
قد تشعرين بالصدمة أو الإحباط، لكن في الحقيقة، هذه التصرفات ليست دائمًا دليلًا على “قلة التربية”، بل هي إشارة إلى أن هناك مشكلة تحتاج إلى فهم واحتواء.

يُعتبر سلوك الغضب والعصبية من أهم وأكثر التحديات شيوعًا في رحلة تربية الأبناء، ويظهر على شكل صراخ، شتائم، رفض التعاون مع الأهل أو عناد.
في الحقيقة، إن خلف كل نوبة غضب، هناك عالم معقّد من المشاعر التي لم تُفهم بعد، أو لم تجد طريقها الصحيح للتعبير.

الأطفال، خاصة في مراحل نموهم المبكر، يكون لديهم فقر في طرق التعبير عن مشاعرهم، وأيضًا فقر في الكلمات والمصطلحات التي تُعبّر عمّا يدور بداخلهم، وبالتالي يواجهون الإحباط بسبب فقدانهم القدرة على توضيح مشاعرهم أو رغباتهم أو التحكم فيما يدور حولهم دون إرادة كاملة منهم. لذلك، يصبح الغضب والعصبية غالبًا هما الطريقة الوحيدة للتعبير، وتصبح الشتائم والألفاظ هي اللغة التي تُترجم وتُعبّر عمّا بداخلهم.

لكن، هل يُعبّر الأطفال عن غضبهم فقط لأنهم يشعرون بالضيق؟
أم أن هناك رسائل غير مرئية يحتاج الأهل إلى ترجمتها وفهمها؟

إجابة هذا السؤال تتطلّب فهمًا أعمق لنمو الأطفال العاطفي والنفسي، وكيفية عمل المخ، وقدرتهم على الإدراك في كل مرحلة عمرية، وكيفية تأثير البيئة المحيطة بهم على تصرفاتهم.

وفي هذا المقال، سنكتشف معًا الأسباب الكامنة وراء الغضب، ونناقش كيف يمكن للأهل التعامل معها بشكل أكثر فاعلية ووعيًا، وكيفية خلق بيئة داعمة للأطفال تساعدهم على التحكّم في مشاعرهم والتعبير عنها بشكل إيجابي.

لأن ما بين نوبة غضب ودمعة، هنالك لغة لا نعلمها، ولكن يمكننا فهمها وإدراكها، إذا قدّمنا لها الوقت والرعاية اللازمين.

العصبية هي استجابة فطرية مبكرة؛ فمنذ عمر سنة تقريبًا، يبدأ الطفل بالتعبير عن غضبه وانزعاجه من خلال الصراخ، أو البكاء، أو رمي الأشياء، وذلك لعدم قدرته على التحدّث، وعدم إتقانه للغة سواءً الكلمات الإيجابية أو السلبية. ثم تستمر أو تتوقّف حسب تعامل الأهل والبيئة المحيطة به، كما ذكرنا سابقًا. وبذلك، فهي طريقة بدائية فطرية للتعبير عن الإحباط أو التعب.
أما الشتائم، فتأتي لاحقًا كلغة مكتسبة بعد إتقان الطفل اللغة، ويستخدمها كأداة تعبير تعكس شعوره بالغضب، أو رغبته في إثارة الانتباه، أو اختبار ردود فعل الأهل.
وهذا يعني أن العصبية هي الأصل، والشتائم وسيلة لاحقة للتعبير عنها.

العصبية والغضب هما وسيلة الطفل للتعامل مع مشاعر بداخله لم يستطع التعبير عنها، وتختلف بحسب عمر الطفل حتى يصل إلى عمر المراهقة وما بعدها. سنوضح سويًا أدق الأسباب التي تقف وراء غضب الأطفال، مع التركيز على العوامل النفسية والجسدية التي قد تساهم في هذا السلوك، وهي كالتالي:

تبدأ هذه الأسباب منذ ولادة الطفل، حين لا يكون قادرًا على التعبير بالكلام عند الشعور بالجوع أو الألم، وتستمر خلال فترات الطفولة الأولى غالبًا. فعندما يكون الطفل متعبًا أو جائعًا، تنخفض قدرته على التحكم في مشاعره.
الجوع يُسبّب اضطرابًا في مستوى السكر في الدم، مما يؤدي إلى تقلبات في المزاج. كما أن التعب يقلّل من قدرة المخ على ضبط العواطف والتعامل معها، ويُصبح الطفل سريع الغضب. وقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يعانون من قلة النوم وسوء التغذية السليمة يكونون أكثر عرضة لنوبات الغضب.

لا يمتلك الأطفال دائمًا الكلمات المناسبة للتعبير عن مشاعرهم المعقّدة مثل الخوف، أو الإحباط، أو القلق. وعندما يشعرون بتلك المشاعر، يعجزون عن إيصالها فيلجؤون إلى الغضب كوسيلة للتعبير.
وفقًا لدراسات ونظريات علم النفس، فإن الأطفال في مرحلة مبكرة من التطور العاطفي يحتاجون إلى مساعدة الكبار في تعلّم كيفية التعبير عن مشاعرهم والتحكّم بها.

يحب الأطفال أن يشعروا بأنهم يمتلكون القدرة على التحكّم في محيطهم، وإذا شعروا بالضغط نتيجة التعرّض للأوامر أو التحكّم الزائد – الذي قد يصل أحيانًا إلى ما يأكلونه أو يلبسونه أو حتى إلى هواياتهم – فإن ذلك يُعرّضهم للغضب والعصبية.

يزدهر الأطفال في بيئات روتينية مستقرة تُحدها الأسرة، فالتغيرات المفاجئة مثل الانتقال إلى منزل جديد، أو بدء الدراسة، أو التعامل مع أفراد غير معتادين عليهم، أو تغيير نمط الحياة (مثل قدوم طفل جديد)، قد تُثير مشاعر الخوف والغضب والإحباط، وتؤدي إلى نوبات الغضب. لذلك، يُنصح بالتمهيد التدريجي للطفل عند الإقدام على أي خطوة جديدة.

عندما لا يحصل الطفل على الاهتمام الكافي من الأهل أو المحيطين به، قد يستخدم الغضب كوسيلة لجذب الانتباه. وهنا من المهم التركيز على أن طريقة الاهتمام التي يحتاجها الطفل هي طريقته الخاصة – أي أنها تُعبّر عن “لغة الحب” الخاصة به، وليس بالضرورة الطريقة التي يراها الأهل مناسبة أو معتادة.

عندما يولد الأطفال، فإن الله سبحانه وتعالى يخرجهم من بطون أمهاتهم وهم لا يعلمون شيئًا، كما قال تعالى:
(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) — النحل: 78.
وذكر الله السمع لأنها أول حاسة تعمل عند الأطفال بعد الولادة، و مؤخرًا أشارت بعض الأبحاث إلى أن الطفل يستطيع أن يسمع ويخزن ما يدور حوله وهو جنين في بطن أمه.
ولكن دعونا نعود للحظة ولادة الطفل وحرصنا الشديد على أن نُلقي في أذن الأطفال صيغة الأذان والشهادة، ليكون أول ما يسمعه هو خير الكلام وأطيبه.

ومن ثم تأتي مرحلة التجميع والتحصيل، حيث أن الأطفال مثل الإسفنجة، يمتصون كل ما حولهم من الآخرين (البيت، الشارع، المدرسة، والشاشات خاصة مواقع التواصل الاجتماعي “السوشال ميديا”).
فعندما تجد طفلك يتلفظ بالشتائم، حاول أن تعيد النظر في نفسك ومن حولك، هل هذا الطفل يتعرض للتوبيخ دائمًا من الوالدين أو أحد المقربين؟ ثم أعد النظر في الأصدقاء وما يشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي والشاشات.

أول الأسباب وأهمها هو التقليد الكامل لما يرونه من الآخرين حولهم، وأهمهم الأهل، لأنهم القدوة بالنسبة للأبناء في حياتهم وسنواتهم الأولى.

من الأسباب أيضًا: رغبة الأبناء في جذب الانتباه أو التعبير عن غضب بداخلهم.

كذلك، عدم فهمهم لمعنى الكلمات بعمق، لكنهم يشعرون بقوتها في التعبير.

ومن أهم وأخطر الأسباب المنتشرة حاليًا: محاولة الطفل مواكبة أصدقائه ورغبته في أن يكون محبوبًا. فالأمر لم يعد مجرد تقليد، بل تطور إلى ما هو أعمق، إذ أن بعض الأطفال يعلمون أن الشتائم لا تتناسب مع الدين أو الأخلاق أو تربيتهم، ولكن عند تمسكهم بقيمهم، يواجهون نفورًا من أقرانهم، بل ويُوصَفون بأنهم معقدون أو، بلغة الجيل، “مش روشين وكول”.
وبالتالي، يتخلون عن تلك المبادئ لإثبات أنهم لا يختلفون عن أصدقائهم ولإثبات ذاتهم.

1- الحفاظ على الهدوء
عندما يتعرض طفلك للغضب أو العصبية، حاول أن تبقَ هادئًا، لأن الأطفال يتأثرون بحالة الأهل. فإذا قابلتَ الغضب بغضب والعصبية بنفسها، فهذا يُثبت لديهم الفكرة أكثر.
لكن عندما يرى الطفل أن الغضب لا يؤدي إلى نتائج إيجابية، قد يبدأ في تعلم كيفية التعامل مع مشاعره بشكل أكثر هدوء.

2- فهم السبب وراء الغضب
لا تكتفِ بإنهاء حالة غضب أو عصبية ابنك فقط، بل حاول أن تتفهم السبب وراء الغضب قبل الرد عليه، حتى تستطيع أن تبدئ رد فعل بشكل منطقي ومتزن يبتعد عن الانفعالية الزائدة على الطفل أو المبالغة.

3- التعبير عن المشاعر
يجب أن تكون سابقًا لطفلك بخطوة دائمًا، فقبل أن يصل إلى مرحلة العصبية وعدم القدرة على التعامل معه، قم بتدريب طفلك على كيفية التعبير عن مشاعره باستخدام كلمات بسيطة أو كتابتها بدلًا من اللجوء إلى التصرفات العدوانية أو الغضب.

4- وضع روتين ثابت
حدد قواعد وثوابت للطفل متفق عليها لتجنب حدوث مناقشات وجدال يصل إلى العصبية، مثل أوقات النوم والطعام واللعب، والالتزام بها خاصّة من طرفك، مما يجعله يشعر بالأمان والثقة بالبيئة المحيطة.
ولأن التغيرات المفاجئة تجعله يشعر بالقلق والتوتر، يجب الحرص على استقرار الروتين.

5- طرق الاسترخاء أو التشتيت
بدلًا من توبيخ الطفل ومقابلة فعله بالعصبية المماثلة لسلوكه، وقبل أن يتعرض لمواقف تجعله يصعل للغضب والعصبية، يجب تدريب الطفل على طرق الاسترخاء وكيفية التحكم، مثل أن يأخذ نفسًا عميقًا، أو يترك المكان إن أمكن، أو يقوم برسم لوحة أو كتابة ما بداخله من مشاعر للتفريغ عنها.
وهي كلها تقنيات وأدوات تقلل من ردود الفعل وتفرغ مشاعره وقت الغضب.

6- مكافأة السلوك
عندما يُعبّر الطفل بشكل جيد عن مشاعره ويتحكّم في عصبيته وغضبه، قم بمكافأته لتعزيز هذا السلوك الإيجابي.

7- تجنّب المؤثرات السلبية
وجّه وراقب ما يشاهده الطفل، وقلّل من تعرّضه للمحتوى العنيف أو السلوك غير اللائق في الشاشات أو وسائل التواصل الاجتماعي مثل الأفلام والكرتون.

8- إظهار الاهتمام والاحتواء العاطفي
خصص وقتًا خاصًا لطفلك دون انشغال بأي شيء آخر، مما يُشعره بالأمان والراحة النفسية، ويُقلّل من حاجته للتعبير عن مشاعره السلبية بطريقة غاضبة.

9- تعليم الصبر
من أهم المهارات الحياتية التي تساعد الأطفال في التحكّم. علّم طفلك الصبر من خلال الأنشطة التي تشجّعه على الانتظار أو التهدئة قبل الحصول على شيء يرغب فيه.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *